يحل علينا اليوم أكرم الشهور وأفضلها، شهر رمضان المبارك الذي خصه الخالق عز وجل بالخير والبركات، وأنزل فيه كتابه الكريم، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وفي رحاب الشهر الفضيل تتسارع أمام المرء مشاهد وصور من الروح السامية والدلائل العظيمة التي تحملها نسائم خير الشهور وأكرمها، وهي من قيم الإسلام ورسالته السمحاء التي تحث دوما على فعل الخير والتراحم بين البشر، مهما اختلفت مشاربهم وانتماءاتهم وأعراقهم ومعتقداتهم. لذلك يستغرب المرء كيف يجعل البعض للطاعات شهراً وحيداً، ويهجرونها بقية الأيام والشهور. البعض قلب سلوكياته رأساً على عقب، وجعل من شهر العطاء والإحسان مناسبة للكسل والتقاعس، ويتحجج بحرارة الطقس ليعطل مصالح الناس، بينما هو قابع في مكتبه المكيف، وهناك آخرون يكابدون لهيب الشمس، يؤدون أعمالهم بصبر وإخلاص. وهناك من يجعل منه شهراً للمسلسلات الهايفة والبرامج الأكثر هبوطاً وسط ماراثون تؤججه محطاتنا الفضائية لترسخ توجهاتها بأن الشهر الكريم لهذه الغاية، والعمل الإعلامي بهذه السطحية والانحطاط، خاصة تلك المسلسلات التي تزعم أنها خليجية، وتقدم لنا الأسرة بما تراه فيها من تفكك وخيانات وإدمان على المخدرات. كنا سنقبل على هذه المحطات وبرامجها لو أنها ضمت جهودها للبلدان التي تنطلق منها، وهي تتصدى لخطر وجودي يمثله اليوم التطرف والإرهاب، وتكثف رسالتها في هذا الاتجاه، ونحن نرى كيف تتغلغل الجماعات والتنظيمات الإرهابية لتستقطب أغراراً ومراهقين من فلذات أكبادنا وتزين لهم تلك الأفكار والأعمال الشيطانية، وتزرع في عقولهم المغيبة، وأدمغتهم المغسولة الحقد والكراهية، وتؤلبهم على أوطانهم وولاة أمورهم. ماذا قدمت تلك المحطات سوى الإسفاف ومواد وبرامج تستغل كذلك للتأليب والتغييب؟. لقد أعمى بريق الإعلانات تلك الوسائل وأفقدها البوصلة الحقيقية لخدمة المجتمع لتغرد بعيداً عن جهود دولنا الخليجية للتصدي لأخبث وأخطر آفة تتسلل إليه، وهي آفة الإرهاب المتستر خلف الدين، والنافخ في كيره والمؤجج لنيرانه مفتيو الفضائيات الذين يطلون علينا من قنوات التطرف، ويحببون للشباب القتل والتفجير للحاق بحور العين!!. نسأل الله في شهره الكريم أن يجنب بلادنا وسائر بلدان المسلمين شرورهم، ويحفظ إماراتنا وشيوخنا، ويعيد علينا رمضان عاماً بعد عام، ونحن ننعم بالمزيد من الأمن والأمان والرخاء والازدهار. و«مبارك عليكم الشهر».