حين تفقد رجلاً من وزن الباحث والأديب محمد رجب السمرائي لا بد أن تتوقف طويلاً أمام هذه القامة الجميلة والمتواضعة، والشخصية المكتملة في حضورها والمنتمية للثقافة.. يحضر الفقد لكن لا يغيب الرجل بحجم ثقافته، والدلالات التي تؤشر عليها أو تستشف من علاقته الخاصة بتاريخ المنطقة وتراثها. حضر السامرائي في المناسبات الثقافية المختلفة، وكان رحمه الله من رواد اتحاد الكتاب، يرفد المكان، ويعزز مكانته الثقافية. عرف بحبه وشغفه للثقافة والمثقفين، وهم المكون الحقيقي للحياة الثقافية؛ فمنهم من غادر الإمارات ومنهم من فقدته الساحة الثقافية، وبقي حاضراً في الصروح والأماكن والمشهد. ثمة بشر يعبرون في المكان عبوراً سريعاً، يمرون عليه من دون أن يتعمقوا فيه.. وثمة بشر يقيمون معه علاقة خاصة.. محمد رجب السامرائي كان من الفئة الثانية؛ فقد تجسد في المشهد الثقافي من خلال الكتابة الجادة، الباحثة بدأب عن دقة المعلومة وتوقيتها. كتب في عدة دوريات ثقافية وأنتمي للمكان كما لم ينتمِ لأي وطن آخر.. هو الذي انتمى للإمارات وعبر عن تراثها وتاريخها وكل جوهر من جواهر الإرث الثقافي فيها؛ فكتب بشكل أنيق حول نخيل الإمارات ورطبها.. وفند فصولها الحياتية المختلفة، ومن خلال قلمه الجميل تعانقت كثير من الدلالات والرموز الثقافية. بحث السامرائي أيضاً في عمق الآثار، تقصى فصولها في المكان، ذهب وراء كل جميل منقباً ليعود لنا بحصيلته، رافداً الحياة الثقافية بالكثير من البحوث والدراسات، التي أضاءت على الثقافة الشعبية والتراث المحلي. كان محمد السمرائي يحلم بالعودة الى وطنه العراق، ولكن القدر لم يمهله ليحقق أمنيته.. دفن ها هنا، في الإمارات، حيث أحبّ. و ووري جثمانه ثرى وطنه الإمارات التي أحبّ ترابها وتنفس هواءها وعاش في حضنها، وتحرر فكرياً وثقافياً، وحرر فيها العديد من المدونات الثقافية التي تظل شاهده على حضوره. يظل الأديب محمد رجب السامرائي هو القلب النابض، رغم المعاناة التي عاشها في الفترة الأخيرة إلى حين وفاته، ورغم ذلك أشعر أن قلبه لا يزال حياً، ينبض في حياتنا الثقافية.