التفرقة العنصرية أو الجنسانية بين الرجل والمرأة، الذكر والأنثى تجدها في الصالح والطالح، فحتى السباب والشتائم حظ الأنثى كالأم والأخت، أكثر من الأب والأخ، في حين أكثر ما يكون الاعتزاز والفخر بالأب والأخ، مقارنة بالأم والأخت، وهي من عادات العرب القديمة، خلدها الشعر، والهجاء، وزخرت بها كتب التراث، وهو أمر يعكس حالنا، وحال ثقافة مجتمعاتنا، قديماً، وحديثاً، وظلت تتناقلها الأجيال عبر العصور كمركب في الإنزيمات. فالرجل يعير بأمه، ولو كانت من الشريفات الحرائر، ولا يلتفت لأبيه، ولو كان أبوه رعديداً جباناً، وفي برنامج ظريف رأيته في شبكة التواصل الاجتماعي، ولا أدري، إن كان بث تلفزيونياً، وجماهيرياً، أخذ المذيع الذكي عينات ذكورية مختلفة، عمرياً، وثقافياً، واجتماعياً في المجتمع السعودي، وباغتهم بسؤال واضح، ما هو اسم أمك، ولكم أن تتصوروا كيف كانت ردة أفعالهم المختلفة والمتباينة، لكنها في غالبها كان الاستغراب والدهشة والحرج والاستفزاز مسيطراً عليهم، خاصة الجيل الجديد، حتى حدا بالبعض منهم إلى الغضب، ورفع وتيرة الصوت، والبعض الآخر، استنكر، وقال عيب بصراحة، ليس في التلفزيون، وأمام الناس جميعهم، والبعض الآخر تصرف بطريقة صبيانية، تماماً كما كنا نفعلها ونحن صغاراً، عندما يفاجئك أحدهم بالسؤال عن اسم أمك، فترد عليه بعفوية: لا.. قول لي أنت أولاً عن اسم أمك! فيما عبر الجيل الأكبر، وربما كانوا من بيئة مدنية كجدة مثلاً، افتخارهم بذكر اسم الأم، واسم أبيها، وقبيلتها، دونما أي حرج، كذلك فعل أبناء البادية، باعتبارهم مجتمعاً منفتحاً على بعضهم، والمرأة شريك فعلي في الحياة، وفي قسوة طبيعتها. والسؤال الذي يبقى، لم نشعر بذلك الحرج، ولو في داخل النفس حينما يطلب منا ذكر أسماء أمهاتنا أو أخواتنا أو زوجاتنا؟ وكأننا سنكشف عنهن الحجاب أو سنعريهن أمام الناس أو سنهتك سترهن، لم لا يفتخر الرجل باسم أمه؟ فهي الحقيقة الوحيدة الباقية له، حينما يتخلى عنه كل الناس، حتى الأب حين يقرر أن لا يعترف به، ولا يرغب بتبعية الابن له، لا يبقى له إلا الأم واسمها؛ لذا تسمّى الكثير من الرجال بأسماء أمهاتهم، وفي كتب الأثر، يقال إن يوم الحشر سينادى على الإنسان باسمه، متبوعاً باسم أمه، لا أبيه، لأنها الحقيقة الوحيدة التي لا يشوبها شك، وفي الثقافة الإسبانية، وثقافة أميركا اللاتينية يتسمى الأشخاص بأسمائهم متبوعاً باسم الأب، والأم، وحدنا.. من يظل وجه الواحد منا مسودّاً، وهو كظيم!