هل يجب أن نتفق في كل شيء تماماً لكي نتمكن من الالتقاء سويا!؟ هل معارضة شخص لأحد أفكاري يجعلني لا أرى في هذا الشخص أي شيء اتفق معه عليه!؟ جميعنا.. وجميعنا تقريباً يدعي إيمانه بحرية كل شخص في خياراته، وعدم أحقية أحد منا في مصادرة هذا الحق بأي شكل من الأشكال؛ ونزهو بتلك الميزة بادعاء عدم مصادرتنا للمخالفين لنا. ولكن هل فعلاً هذه القناعة التي ندعيها جميعا، هي سلوك فعلي نترجمه في أفعالنا؟! في الوقت الراهن ومع تعدد المنصات التي يستخدمها الناس للتعبير عن آرائهم ورؤاهم، زادت حالات الأمور التي لنا حولها رؤى مختلفة، كما زادت حالات المصادرة وتنوعت. ومصادرة حق الآخرين في التعبير لم يعد لها وجهاً واحداً كما كان يعرف سابقا بالتعدي اللفظي أو الجسدي، بل تنوعت أشكال المصادرة الى طرق وسلوكيات مبتكرة تؤدي نتائجها الى ما هو أكثر تأثيراً في إقصاء الآخر وتهميشه.. بل وترهيب حتى من يفكر في الاختلاف مستقبلاً. في الأسبوع الماضي وخلال تظاهرة فنية مميزة، انسحب ممثلون من مشاركة زميل لهم حدثاً يهتمون به جميعا، بسبب رأي الأخير السياسي الذي يختلفون معه. وبطبيعة الحال أثر هذا الغياب على الفعالية وعلى الممثل صاحب الرأي. هذا شكل من أشكال المصادرة الذي تكون المواجهة فيه سلبية، ولكنها مؤثرة، كونها تعزل صاحب الرأي عن الجماعة وتهمش من حضوره، فقط لأن له رأياً مختلفاً عن المجموع. أما الحالة الأخرى والتي أجدها كثيراً، عندما يكون لأحدهم رأي يختلف مع شخص نافذ له سلطة تنظيمية على فعالية ما، فما يحدث أن هذا المختلف سيحرم من الدعوة لحضور الفعالية حتى لو اتفق معه على موضوع الفعالية! المزايدات أيضا نوعا من مصادرة الرأي الآخر، وفي رأيي هي الأسوأ. كأن تدخل في نقاش مع أحدهم فيأتي على ذكر رمز ديني أو سياسي، ملوحاً برأي ذلك الرمز، وكأنه يقول لك: هل لديك رأي آخر. رافعاً حاجبيه ومطلقاً ابتسامة المنتصر؛ فأي اختلاف ستطرحه، يعني في المقابل انك ضد فلان! وبما أنك ضده، إذاً انت إما زنديق أو معارض أو محسوب من الخوارج، وهي نتائج بديهية لمعارضة فلان الرمز.