خلل في الذهنية عندما يقدم إنسان على ارتكاب جريمة في مجتمع توفرت فيه للناس كل أسباب السعادة، فاعلم أن وراء هذا السلوك عقيدة خاصة مصابة بكتلة ألم ذاتية مبعثها ماضي هذا الشخص وتربيته وثقافته وهشاشة نفسه.. هذا الشخص يعاني من تاريخ شخصي مأزوم لا علاقة له بالمحيط الخارجي وإنما مرتبط بسلوك ذاتي جعل من هذا الشخص كائناً متحرقاً متشققاً متفتقاً متشوقاً دوماً إلى التماهي والتماثل مع فعل خارجي يعيد له توازنه.. فالذين عبدوا الأصنام كانوا يعرفون أنها أحجار لا تنطق ولا تتحرك ولا تملك شيئاً يحقق أهداف العابدين، ولكنهم كانوا يصرون على هذا الفعل ويمارسونه بخشوع وخضوع، ويحاربون العالم من أجله ومن أجل الحفاظ عليه، لأن هؤلاء يعانون من ضعف إيمان داخلي يواجهون صعوبة في التعايش مع الواقع وبالتالي يلجأون إلى كائن آخر كما يتصورونه ويعتقدون أنه المخلص.. وبالمثل فإن المتطرف أو الإرهابي إنما هو شخص شذ بأفكاره على المجموع، نتيجة وهم داخلي ونتيجة قناعات مخادعة، وبالتالي يقدم على الإرهاب كالأعمى الذي يسير في طريق وعر ويظن أنه سالك وممهد.. هذا الكائن المشوه جاء من واد سحيق، جاء من أفكار ومفاهيم مغلوطة أشاحت بوجوم عن كل المعاني الجميلة وابتعدت كثيراً عن القيم السامية، بل صار هذا الشخص جزءاً لا يتجزأ من الأفعال المشينة التي يرتكبها، صارت تسكنه وتطوق كيانه وتغلل قلبه، إذ لم يعد له قلب يحب به ولا عقل يفكر فيه، ولا عين يبصر بها، ولا أذن يسمع من خلالها. طائر الظلام، خفاش ليل، يتحرك بالخفاء وتحت حجب مختلفة، لأنه لا يريد أن يرى أحداً ولا يريد أن يراه أحد، لأنه على قناعة من أن ما يفعله هو مضاد للواقع مناقض لقناعات المجموع، وبالتالي فإن السير تحت الرمل وسيلة من يسرق أو يمرق أو يحرق.