في الحياة التي تعبر أمامنا كما تعبر فينا وفوق رؤوسنا، نصادف ألوانا من البشر لم يكن من الممكن تجنب لقائهم أو الارتباط بهم ربما، أحيانا يبدو الأمر قدرا مقدورا وأحيانا خيارا علينا تحمل نتائجه انطلاقا من مسؤوليتنا حيال حياتنا وأنفسنا، بعض هؤلاء يصدموننا حين نقترب منهم وقد كانوا بالنسبة لنا حلما، بعضهم يظهرون بشكل مناقض لما كنا نرى ونتوقع، بعضهم يبدون أنانيين وفارغين وصغارا جدا ومحدودي الفهم والإدراك، وبعضهم بمجرد أن نرتبط بهم يقلبون حياتنا رأسا على عقب، إما سلبا وإما ايجابا! وفي الحياة لا يمكن للإنسان أن يعيش وحيدا أو يستمتع منفردا، ليس فقط لأن ابن خلدون قال منذ قرون (إن الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة )، ولكن لأن المتعة لا تتحقق في الذات أو مع الذات، فلا يمكن أن تستمتع بعشق نفسك مثلا، لأنك ساعتها ستكون متوحدا أو نرجسيا أو مريضا وليس عاشقا ولا صديقا،لا يمكنك أن تتنقل وحيدا في الحياة لا ترى أحدا ولا تبتسم لأحد ولا ترافق أحدا ولا تطلب خدمة من أحد فقط لأنك لا تعتقد بوجود أحد، ساعتها ستكون في مكان آخر غير الحياة، ستكون إما متوحدا في ذهنك ومع ذهنك أو مصابا في إنسانيتك،الإنسان الحقيقي هو المستطيع بغيره والمستمتع مع الآخرين، والمعترف بوجودهم لأنهم موجودون بالفعل لا لأنه هو من أوجدهم لمتعته أو تسليته كما يظن! إن كل من لا يرى سوى عظمة نفسه هو انسان منفصم أو منفصل عن الواقع ويحتاج علاجا او تدخلا سريعا، لأنه يشكل خطرا على حياته وعلاقاته كما يشكل خطرا على الآخرين، هناك من يعتقد أن عليه أن ينفصل عن كل المحيط لأن هذا المحيط لا يلائم فكره وعبقريته وثقافته ولا يتفق مع مبادئه وعقيدته، هو يعتزلهم لأنه لا يراهم ومن ثم قد يحاربهم ويحكم بفنائهم لأنهم غير جديرين بالوجود أو لا يشكلون أي فائدة أو متعة له، فائدتهم بالنسبة له أن يوافقوه ويتفقوا معه ويشعروه بالعظمة والمجد. إن هذه النزعة لا تخص الافراد فقط، فها هي تتجلى في جماعات وتيارات فاشية متطرفة وملتحفة بالدين، وها هي تقتل الآخرين بدم بارد لأنها لا تراهم أكثر‏? ?من? ?أغبياء? ?لا? ?ضرورة? ?لوجودهم? ?، ?انه? ?الجنون? ?الحقيقي? ?هذا? ?الذي? ?نعايشه? ?اليوم?!