حين تستند أمام البحر، وحين تقرأ شيئاً من خيوط الشمس المطلة على كورنيش أبوظبي، حتماً يرف أمامك سرب من حمام السلام، وحتماً ستقر بدفء البدء، وستعلم بأن الغيوم الملبدة بالصمت لوحة أولى رسمتها الزرقة أو زخرفها الشاطئ بحروف من الأسماء العديدة التي مرت من هنا، وترى بعضها وقد ترك أثراً حميماً بعد طول الغياب. ما زالت تلك الصورة القديمة كأنها ماثلة إلى الآن مثل كل الحكايات التي تعيشها المدينة، وإن تغيرت الوجوه وتبدلت اللحظات. لحظة هدوء أول وانتماء ونماء ووجوه تؤثر الضحكات وبحر ينتهج مويجات هادئة طليقة حكائية تثرثر عبر وهج الوقت، بينما يلتذ الصغار بنشوة الفرح وهم على ملمس من الكبار ومداعباتهم، والكبار طوائف من البشر واللغات والسمات يرسمون لوحة جميلة تستمد ألوانها من الفرح وتباشير الأمن والأمان. ليس البشر وحدهم بل روح المكان تستمد من الورد عطرها، ومن الشجر بريقها، وهي على موعد مع ثمار وعناقيد تدلت، وترسم ظلالها على الرؤوس مسارات محتشدة يقظة، وسحر من فنون الطبيعة ولجها الإنسان ونثر حولها شجيرات وزهور. إنه الاستيقاظ الأول، وهي واحدة من مدن الإمارات يتقاسم شواطئها البشر من أقاصي العالم، كونها جاذبة للثقافات المختلفة والمحطة التي يتلاحم حولها سائر الحضارات، فأرضها السلام يفوح بأريج العطر المنبعث من العادات العربية. لم تكن هناك لوحة تعاكس الجمالية أو تتصف بأنها لوحة بائسة يائسة، ومهما حدث من عمل مقيت لا يمكن أن يقر المرء بالفزع أو تكون الصورة العابرة بديلة عن الجميلة، إذ يحدث هذا في كل مدن العالم، ولكن أبوظبي تظل مختلفة بجمالية المكان وسحر الحياة وانتعاشها، بل وانعتاقها من ذبول الفكر المتطرف واجتنابها الفقاعات المترسبة. فالصورة الجميلة، تلامس شغاف القلوب، ولا تلتفت إلى صور عابرة هزيلة، فقد اعتاد المجتمع الإماراتي دائماً فتح النوافذ للنور الذي يسهم في البناء الإنساني المتصالح مع الفكر والقيم الأخلاقية، فلا انتماء هنا إلا لهذا النسيج الثقافي المتوارث، ولا عواقب متخمة بالذاكرة بل كل الصور المستنسخة من شحوب الفكر سبيلها الاندثار.