يقول الحكماء «إذا كان العقل مستبداً فالصحوة مستحيلة» ونحن الآن أمام عقل مستبد متبدد متقدد، مستعد لأن يحرق الحقل والسهل والنخل في سبيل التشبث بفكره، حتى وإن كانت بائرة خائرة، لأن الأنا أصبحت جزءاً من ركام التاريخ، والأفكار مبعثرة في زحام الحشر المتهور.. في الآونة الأخيرة، طرح موقع 24 سؤالاً حول موضوع النقاب، فثارت ثائرة، الذين يمسكون بالأفكار من أطرافها، ثم يحيكون حولها، الحكايات والروايات، ويسفون وينسفون، ويتعسفون ويخسفون، ولا يتأسفون على فعل قد يطيح بقضايا جوهرية، تهم الوطن وهي جزء من عماده وعتاده، ألا وهي قضية الأمن واستقرار القلوب في وعاء النفس الراضية المرضية.. الدكتور علي بن تميم طرح الأسئلة حول النقاب ولم يفتِ الرجل ولم يرتكب الخطأ حين اقترب من حافة النقاب، ولكن البعض يبدو أنه مشحون مطحون، مسحوق، مفتون بإشاعة الفتن ما ظهر منها وما بطن، هذا البعض لا يقبل أبداً التحرر من السقف الخفيض الذي وضعه لنفسه ولا يرضى البتة الخروج من سجن الأفكار المسبقة والتي هي مفسدة للعقل ومهلكة للإنسان، وإلا كيف يمكن أن تتحول الحوارات من نقاش في قضية، إلى نعوت وأوصاف مشخصنة، وألفاظ بذيئة وكلمات نابية، في حق رجل أكاديمي، درس أبناء، وخدم في بناء الشخصية الوطنية سواء في جامعة الإمارات أو في مجال عمله الحالي في مشروع كلمة الرائد. السؤال حول أي قضية، حق مشروع، شرعه الخالق لعباده، ومن يتبصر في القرآن يجد ذلك جلياً، ويا ليت قومي يعلمون، بقيمة السؤال الذي يفتح نافذة العقل، لتبقى مشرعة، للوعي بالذات والكون وكل ما يخص الإنسان. وهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، يسأل الخالق بشفافية العبودية للمعبود.. «ربي أرني كيف تحيي الموتى.. قال أولم تؤمن.. قال بلى ولكن ليطمئن قلبي». حوار مع الخالق جل وعلا، يضع الإنسانية أمام مسؤولية السؤال لأجل الوعي بقيمة الأشياء، ولأجل الإمساك بالحقيقة من دون إسفاف أو ارتباط بالزيف، ومراوغة العقل، والمداورة حول الوهم والخرافة.. الذين يرفضون الحوار البنّاء إنما يرفضون دور العقل ومن يرفض العقل إنما يخرج عن طاعة من أوضع العقل كميزان يقود إلى القسطاس المستقيم.