ذات مرة، وضمن برنامج زيارة عمل لليابان التقيت مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية هناك، وجدته يصر على انتظار مترجمه لإجراء المقابلة الصحفية باللغة اليابانية، وحتى حضوره كان يتبادل معي عبارات المجاملة بلغة إنجليزية سليمة بلكنة أميركية، اعتقدت أنه التقطها بصورة عابرة قبل أن أعرف أنه خريج أحد أعرق جامعات الولايات المتحدة المشهورة بكليات العلوم السياسية فيها. ومرة أخرى، كنت في جولة سياحية بمنطقة الغابة السوداء في ألمانيا عندما توقفنا في متحف لساعات «كوكو» الخشبية التي تشتهر بها المنطقة، وقد كان المشرف على المتحف يقدم شرحاً عنها باللغة الألمانية، بينما كانت المرشدة السياحية تتولى الترجمة إلى الانجليزية عندما أخطأت، فإذا بالمشرف يصحح لها، ما يؤكد إجادته لها، ولكنه آثر الحديث بلغته الأم. مثالان أستعيدهما كلما تعلق الأمر باللغة، ونحن نحتفي باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف يومنا هذا. ذات مرة، قال روائي برتغالي شهير «لغة تخجل منها لا تستحق الانتماء لها»، فاللغة ليست مجرد حروف وكلمات، بقدر ما هي انتماء وهوية. وإذ نحيي مبادرة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم على مواصلة مبادرتها «بالعربي» لتمكين استخدام اللغة العربية في المجتمع، فإنما نشير للتفاعل والتجاوب الكبيرين اللذين حظيت بهما المبادرة، بما يؤكد ما يستشعره المجتمع من خطر إذا استمر هذا التجاهل للغتنا الأم، والتقليل من شأنها، بعد أن منيت بطعنة إثر نجاح بعض «تجار التعليم» في ترويج نظريتهم بعدم صلاحية اللغة العربية للعصر. وهو الخطر الذي عبر عنه كذلك أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وهم يوصون بحماية اللغة العربية، وتنفيذ قرارات مجلس الوزراء والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي بإعادة الاعتبار لها، بتكريس اعتمادها لغة للمراسلات والتعامل الرسمي، تأكيداً لما نص عليه دستور دولة الإمارات العربية المتحدة. مبادرة «بالعربي» والاحتفاء بها والتفاعل معها يعبران عن مقدار فخرنا واعتزازنا باللغة التي أنزل الله بها كتابه المجيد، وتعكس في آن قلق الجميع على وضعها الحالي، والذي يصب مباشرة في اتجاه تهديد الهوية الوطنية. ومن جديد، و«بالعربي» لغتنا بحاجة لقرارات وخطوات ملزمة لاستعادة مكانتها في المجتمع، وفي قلوب أبنائها قبل الآخرين.