كنت قد انتهيت منذ أيام من قراءة ومناقشة رواية بعنوان «طائفة الأنانيين» للروائي والمسرحي الفرانكفوني الأكثر مبيعاً في العالم ايريك ايمانويل سميث، حيث تجلى مبدأ الأنانية والفردية بوضوح ساطع من خلال الشخصية المحورية للرواية (جاسبار لونجنهيرت) لقد بدت الفلسفة واضحة بجلاء في الرواية، كما بدا الدين وتحولات المجتمع الرأسمالي فكرياً، من خلال عالم ميتافيزيقي نفسي حكم فكر وحياة (جاسبار) الشاب الوسيم الذي كان يردد أنه الوحيد الموجود في هذا العالم وأن كل ما عداه غير موجود أساساً، إلا باعتباره فكرة ذهنية في رأسه يراها هو فقط لأنها خلقت لمتعته الشخصية، وكما يتماهى الفرد اليوم مع عالم التواصل الإلكتروني والمواقع الافتراضية منفرداً، ويعيش عبر مواقعه وصفحاته حياة كاملة غير موجودة إلا في رأسه، فعل بطل رواية «طائفة الأنانيين» الشيء نفسه منذ قرون! يحتاج الإنسان إلى صفتين ضروريتين ليعيش إنسانيته كاملة: الرحمة تجاه الآخر والفضول تجاه الكون، وهذا ما تقتله التكنولوجيا فينا، تجعلنا فاقدي الفضول حتى اتجاه السؤال، فنحن نصدق هذا الذي يفرز أمامنا على صفحات ملايين المواقع، الأخبار والصور وصولاً للعلاقات الملتبسة مع الغرباء، نحن نصدق أو كثيرون منا يصدقون الكلمات المنمقة والغبية التي غالباً ما تنتهي بشرك أو بخدعة أو بجريمة أحياناً، هناك من يستدرجك أو يمثل عليك أو يسرق وقتك بلا طائل لأنه يعاني الوحدة أو الكآبة، أو ربما يكون نزيل مشفى نفسي، هناك من يبث أمراض نفسه في داخلك كمتوحد مثل (جاسبار) يظن أن العالم خلق لمتعته وخدمته وأنك غير موجود إلا لأنه أوجدك وانتبه لك وحدثك، هؤلاء لصوص حقيقيون ! جاسبار في «طائفة الأنانيين» ظل يدور حول ذاته كمريض بالأنانية وتضخم الذات واعتبار أن الجميع عليهم أن يدوروا حوله كهالة نور، كي تتبدى ملامحهم في ضوئه الساطع، ولم ينج من هذا المرض إلا قليل حين وقع في العشق، صار يتأمل فردا آخر غيره هو شخص حبيبته، ذهب لأول مرة للكنيسة وهناك جثا وصلى ودعا، تعب وشقا وعانى وعرف أنه يلزمه أن يكون رحيماً كي يكون إنساناً وأن ينتظر الرحمة وأن يركض في كل مكان بحثاً وفضولا، الرحمة والفضول فضيلتان بهما تتبدى إنسانية الإنسان فعلاً.