في أواخر الثمانينيات حظيت بسفرة إلى موسكو، وكانت الأولى لي قبل أن ينهار الاتحاد السوفييتي، ويتفرق إلى جمهوريات وشعوب ومافيات، في ذلك الزمن لا خير في رحلات خاصة إلى كل المعسكر الشرقي وتوابعه، لأنك لن تجد ما يسرك، ولو كانت جيوبك عامرة، والخير أن تتلقى دعوة رسمية، صحيح لن تعيش في رغد، ولكن على الأقل ستتوفر لك الضروريات، وتدرون حسب النظام الاشتراكي تأكل قدر حاجتك، وتسكن ما يمكن أن يتسع لجثتك، ثيابك مكوية أو غير مكوية هذا أمر لا يخص أحدا، ولا يضر الشعب في شيء، المهم كنا مجموعة في ضيافة اتحاد كتاب وأدباء الاتحاد السوفييتي، والجماعة ما قصروا بصراحة، لكن حسب إمكانياتهم، فهم بالتأكيد لا يمكن أن يستوعبوا دلع المواطن النفطي، فكيف إذا ما كان في الوفد شخص، واكاد أقول مثلي، لو وجد من يدّق لها الماء، لما قال: لا، أسكنونا في أضخم فندق في العالم، فندق راسيّا الكبير، حيث كانت غرفه تصل لستة آلاف غرفة، وفيه 21 مطعماً، وموظفو الاستقبال في كل دور، حينما تلقينا تلك المعلومات، قلنا سنضيع فيه لا محالة، ففي أيام الاتحاد السوفييتي لا تفرقة، كل الشعوب متساوية في الإنسانية، شعب واحد، سكن واحد، حمام واحد، كلهم واحد تحت علم الأممية، صعدت إلى طابقي وألقيت بالتحية على مسؤولة الطابق التي لا يمكن أن توحي لك بجثتها السمينة، إلا أنها من المناضلات في حرب حصار لينينغراد، ولما تبسمت بمرارة موظف منهك من الجلوس، وبانت أسنانها الذهبية، تذكرت الوصيات الليليات على بنات شيراز، ومسهلات الرذيلة قبل وقت طويل مضى عندنا، فجفلت وشعرت أنها تحرس أكياس بطاطا، ومشروبا محليا يفتك بالكبد، فسلمتني مفتاح غرفتي الذي كان أشبه بمفتاح غرناطة الضائع، شيء بقدر الشبر مصبوب بالحديد والنحاس صباً، لا يقدر فتى أرعن على حمله في يده الرطبة كثيراً، ما أن دخلت الغرفة حتى صدمني السرير الذي يتسع لجندي مستجد، ببطانيته الصوفية ذات الوبر الخشن الرمادي، والمرتبة ربما كانت محشوة بالتبن، صنعت لينام عليها رجل منهك من التعب والفودكا، فتذكرت أن لا رفاهية مع الاشتراكية، فالغرفة بالكاد تمشي فيها خطوتين منتظمتين، والحمام دون باب، لأنه لا يحتاج ذلك القن لباب، طبعاً التليفون يشبه قطا سمينا رابضا، أما التليفزيون فشكله المُغبَرّ، وشاشته الصغيرة، والذي أكاد أجزم أنه لا يشتغل إلا عند نشرة الأخبار الرسمية.