قمة دول مجلس التعاون الخليجي في قطر أخيراً، وبعد نجاح المساعي لإعادة اللحُمة للجسد الخليجي، والتي تأتي في ظل اختلال في التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وفي ظل المتغيرات التي قد تستجد على المسرح السياسي والواقع الاجتماعي في المنطقة العربية برمتها، والتغيرات على مستوى الخريطة السياسية الجيو- بوليتيك في الشرق الأوسط كله، ضمن ما يعرف بلعبة التوازن وصناعة شرق مسالم أو متأسلم. فمنذ انطلاقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أبوظبي في مايو 1981م، والمجلس يخوض غمار اللعب بين الكبار على المسرح السياسي، الإقليمي، واليوم أصبح دوره أكبر بعد تحرك حجر الرحى في أكثر من دولة عربية، شهدت ما يسمى ثورة الياسمين، والربيع العربي، وغيرها من الأحداث المصيرية في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن، وبصرف النظر عن تفاصيل اللعبة المستمرة على المسرح الإقليمي وخطط اللعب وطرق التنفيذ ومواطن القوى والضعف، فقد ظل هاجس التوازن الاستراتيجي عنوان القمم الخليجية، مثلما ظل هاجس الإنجازات الحضارية والتنمية الاجتماعية والتكامل الاقتصادي لأبناء دول المجلس العنوان الذي يداعب أحلامهم ويمنيّ نفوسهم. والتوازن لعبة تجمع عناصرها بين الظروف الذاتية لدول المجلس مجتمعة أو على انفراد، وما تتسم به تلك الظروف من إرهاصات وخصوصيات وقواسم، وبين الظروف الموضوعية وعوامل التأثير والضغط والتفاهم الخارجي، وكان الزلزالان المعروفان بحربي الخليج الأولى والثانية أبرز تلك الظروف الموضوعية، وأكثرها تأثيراً على مسيرة المجلس في المحيط الإقليمي، واليوم ظهور قوى للشر أخرى، تدعي حمل عباءة الدين، والثورة الإسلامية، وبقدر ما تعتبر قمة التعاون محطة للوقوف على ما تم إنجازه، وما يُراد إنجازه، فهي محطة للوقوف على المستجدات والتطورات، ويبدو الخلل القائم في التوازن الاستراتيجي في المنطقة أبرز تلك المستجدات فهناك قوى إقليمية محطمة ومغيبة عن الساحة، وهي العراق، وهناك قوة إقليمية في النهوض الاستراتيجي بمنطق القوة، وهي الجارة إيران، وثمة قوة إقليمية ثالثة تحاول الاستفادة من كل ما يجري على الساحة، وهي الصديق التركي، ولا ننسى أيضاً إسرائيل، ثمة خلل في التوازن، لابد من معاينته والوقوف بصدق أمامه، لا بصيغة المبادرة إلى حشد القوة والمواجهة، لأننا أبعد ما نكون عن ذلك، وإنما بصيغة الوعي الذي يعبر عن نفسه بالمبادرة إلى التأثير السياسي والدبلوماسي في لعبة التوازن، لأنه ما زالت هناك قوى دولية قادرة على الفعل والتأثير، تجاه أمور لعبة التوازن كتأهيل العراق، واستقرار سوريا، وتنمية اليمن.