على رأي العراقيين، حينما يندهشون من شيء، وخاصة أنهم اليوم في دهشة مما يحدث في بلدهم: هذا «صُدق.. جذب»، غير أن صدقنا وكذبنا الذي أريد أن أتحدث عنه، هو ما دار بيني وبين صديق بشأن خبر في الصحف استنكره البعض، فرد علينا: ليش أنتم ما تصدقون؟ هذا منشور في الجريدة اليوم، فأحالني تساؤله إلى موضوع غاية في الأهمية، وهو أنه زمان كان الناس إذا ما أرادوا أن يثبتوا أقوالهم، ويدعموها بمصداقية، قالوا: هذا ظهر في الجرائد أو سمعناه في الراديو، أو ظهر في إذاعة لندن، أو الجرائد تقول، في حين الآن كثيراً ما نسمع: هذا كلام جرائد، يعني «حطّ بالخرج» يعني كلام ما يودي ولا يجيب، هذا الانتقال الذي طرأ على تفكير الناس، وتغيير قناعاتهم من الوثوق بالصحافة والإعلام، والقبول بالمصداقية ولو كانت كذباً أو لعبة سياسية يراد منها إلهاء الناس، أو إشغالهم عن موضوع مهم لموضوع ساذج لكنه يشحذ الفضول، وفيه متعة المتابعة والمشاركة في أيجاد الحلول المقترحة، إلى مرحلة التكذيب، والتشكيك في ما تأتي به الصحف، ولو كان الخبر صادقاً، ومبنياً على بعض الحقائق، غير أن الناس يرون أن حقيقة الصحف غالباً ما تكون ناقصة أو موجهة، ولعل الإعلام الحكومي في أزمنته المختلفة، وأثناء تشيعه للأحزاب الشمولية أو موالاته للانقلابات العسكرية العربية المتكررة، خلق الكثير من الأكاذيب، وفي الوقت نفسه كان يمنع ظهور أي إعلام خاص، من هنا ومع الوقت لم يعد المواطن يثق ما يلقى إليه الإعلام الرسمي، ولم يستطع الإعلام الخاص أن يحل محل الإعلام الرسمي أو يخلق تلك الثقة الجديدة الغائبة، لأنه كان إما مرتهناً سياسياً لأحزاب أو تابعاً تمويلياً لأجهزة تصرف عليه مالياً. واليوم وفي ظل هذا التخبط الإعلامي العربي، وعدم الوضوح السياسي، والهجمات التي تطعن الوطن العربي من خاصرته، مرة بالطائفية، ومرة بالملة الدينية، ومرة بحكومات إسلامية «داعشة» نحو مجهول من الظلمة والتكفير، ومرات جند الرحمن، وجنود الحق، وجنود النصرة، وجنود بدر، وجنود ما أنزل الله بها من سلطان غايتها السرقة والسلب والترويع، والسلطان بدون عمل، وخراب الأوطان، فظهرت أبواق من الإعلام الحكومي المدعوم تنفث سموم الطائفية، وتروّج لأكاذيب السلطات الوهمية، وظهرت أبواق من الإعلام الخاص تروّج للفساد والسياسيين الخانعين، وزعماء الأحزاب التي تفتح أبوابها للتنفع، والمضرة الوطنية، فكيف بالناس بعد ذلك تمييز الغث من السمين، والصدق من الكذب.