تستهلك وقتك في التردد. تظن أنك لن تحتمل المهمة الجديدة، لن تنجح في المشروع الجديد، لن تستريح في المكان الجديد، لن تقوى على النهوض من مكانك، فلو وقفت ستؤلمك قدماك، سيوجعك ظهرك، ستضيّع طريقك في الشوارع الغريبة، لن تعرف كيف تصل، وكيف تعود. فتقرر أن تبقى مكانك. حيث الأشياء المألوفة، حيث المشاعر المعروفة، حيث الطرق المطروقة المحددة المخططة المرسومة مسبقاً من قبل أشخاص قبلك. ستقرر أن تبقى حيث أنت حيث لا شيء يتغير قد يقلقك قد يوترك قد يخيفك قد يحيّرك قد يولّد في نفسك مشاعر غير مريحة حاولت طوال عمرك تجنبها. حاولت طوال عمرك أن تبقى تحت الظل حيث لا شمس قد تحرقك. ستحلم في أوقات الملل الكثيرة بأن الشمس ليست بالضرورة حارقة، أحياناً هي مصدر نور، ومصدر طاقة، ومصدر تجدد ومصدر حياة. فستحثك نشوة الحلم على النهوض، فتباشر أن ترفع قدمك، لكن الحركة ثقيلة من طول الجلوس، والطريق في نهاية محيط بصرك معتم، فما عساه يكون هناك، وتخشى الشرور المحتملة فتتخلى عن الخير الممكن. تعيش في الزاوية، تحلم بما خلفها وبما حولها وبما بعدها ولا ترفع قدمك خطوة أولى نحو الأمام، ولا تعرف أن الثقل.. كل الثقل يكمن في الخطوة الأولى، وبأنك ما إن تستجمع فتات شجاعة السنين، وأحلامك القديمة وذكريات ولد صغير يعدو في طرقات مجهولة دون وَجَل، ودقات قلبه من البهجة عند اكتشاف طريق جديد، بهجة اكتشاف تقنية وصول تعرفت عليها وحدك دون مساعدة وإرشاد من أحد، قادك فقط حس المغامرة وحب المعرفة وشجاعة قلب صغير ينبض بالحياة، تحنّ إليك، إلى الفتى الذي كنته، وترجو أن ترفع تلك القدم وتأخذ تلك الخطوة نحو النهوض لاستكشاف طريق جديد للخروج من الزاوية، لالتقاط أشعة الشمس، لزرع بذور أزهار جديدة في طرق أخرى تحفرها بخطواتك أنت ولم يطرقها أحد قبلك، حينها ستتطلع خلفك إلى تلك الزاوية البعيدة المعتمة التي أفنيت فيها سنين عمرك تزرع في تربتها بتلات الخوف والتردد والتوجس والشك والقلق والتوتر والموت أثناء الحياة، فتندم على مافات ولكن في الأرض الجديدة لا يغدو الندم سوى وقود دفع نحو خطوة أخرى تضعها بكل خفّة على دربٍ جديدة.