اجتهدت السينما العالمية في تقديم نوعية مميزة من الأفلام الحقيقية ذات العمق الفلسفي والأخلاقي، تلك النوعية من الأفلام التي تدفع مشاهديها إلى مراجعة بعض قناعاتهم أحياناً خاصة حين تتم معالجة الفكرة بحرفية متكاملة على مستوى الحوار والأفكار والتصوير، وحين يلعب بطولة تلك الأفلام ممثلون على جانب كبير من المصداقية والحضور في وجدان المشاهد، وفي هذا الصدد تحديداً تابعت حواراً شيقاً كان قد أجراه التليفزيون الفرنسي مع النجمة المصرية فاتن حمامة عام 1964، في تلك السنوات التي كانت تحتل فيها فاتن حمامة مكانة أخلاقية عالية في وجدان الجمهور المصري، حيث كان يستنكر هذا الجمهور عليها، وهي ممثلة أن تؤدي مشهد فيه قبلة مثلاً، كان يرى فيها رمزاً عالياً يقارب فيه بين نجمته وبين نموذج المرأة الأيقونة، بحيث لا يرغب أن يجدها في مشاهد القبلات والعري أو أي مشاهد تخدش قدسية النموذج! حين سألها المذيع بفرنسية صافية عن علاقة النجم بجمهوره أخلاقياً قالت وبفرنسية أصفى أن الفن له تأثير كبير على الناس، وأن الممثل إذا تصرف بشكل جيد وراقٍ سيتبعه جمهوره في ذلك لشدة اتباعهم له، كانت فاتن تتحدث عن التأثير العميق وسطوة الصورة والمشهد وفن السينما عموماً في وجدان الجماهير، قالت أيضاً إن الفتيات الصغيرات في مصر يرسلن لها الكثير من الرسائل يسألنها الحل والرأي لأنهن يجدن فيها القدوة والمقدرة على تقديم الحلول، وربما لأنهن وجدن فيها نموذجا للفتاة المصرية التي كسرت حاجز المنع والتضييق السائدين بالنسبة لأوضاع المرأة في تلك الفترة، ونجحت في أن تحتل مكانة كبيرة كنجمة وكأيقونة اجتماعية وجماهيرية! في واحد من الأفلام الأميركية التي لعبت النجمة جوليا روبرتس دوراً مهماً فيه، ودارت مفارقاته حول حكايات العشاق في عيد الحب أو الفالانتين، كانت فكرة قبول الآخر مطروحة بطريقة غاية في الاتقان، كانت الحوارات والمشاهد التي تطرقت للفكرة معدة بشكل احترافي يجعلك تقتنع تماماً بالرأي المطروح، حيث ظل قبول الطرف الآخر أو الشريك بشكل عام (الصديق، الحبيب، الزوج...) قبوله ككيان متكامل، قبوله كما هو بحسناته وسيئاته بعيداً عن المواقف الانتقائية، هذه الفكرة تبدو صعبة جداً، وغير مقبولة للكثيرين، فنحن عموماً نحب التفاصيل الجميلة، الوجه الجيد، السلوك الأخلاقي الذي نريده ونتمناه فيمن نحبه، لا نريد ولا نتصور أن لهذا الإنسان أخطاء أو خطايا (مثلنا تماماً)، وأننا كما قبلنا ذاك الحسن منه فعلينا أن نكون مستعدين أيضاً لتقبل ذاك الجانب غير الجيد أو الذي يتعارض مع توجهاتنا، علينا أن نختار بين أن نقبل من نحبه كاملاً أو نرفضه كاملاً، لأن المفاصلات لا تعنى حباً في النهاية بقدر ما تجعلني علاقة أشبه بالكذبة أو الصفقة!