لنتخيل، لو تخلت البشرية عن الأنانية وحب الذات، لو تحررت الإنسانية من أنا الصح وغيري على خطأ.. رسل وأنبياء أنزلهم الله هداية ورحمة للعالمين، ولكن الفكرة المتقوقعة في محارة التزمت منعت الإنسانية من أن تفتح نوافذ العقل وتستقبل الآخر برحابة صدر وسعة نفس ما جعل الخلاف عجلة تقود أصحابها إلى دار الهلاك وسبك الأشواك ورص الأسلاك ورفض القبول بالآخر أياً كان هذا الآخر حتى، وإن كان أباً أو شقيقاً. معضلة الأديان ليس في حقيقتها، وإنما المعضلة تكمن في الهيمنة الضاغطة والغطرسة التي يمارسها العقل عندما يكون تحت وطأة الأفكار المسبقة.. وهذا ما اعتقده روسو في «العقد الاجتماعي» أن الأفكار المسبقة مفسدة للعقل، ودمار لأن فكرة بناء، فعندما يستبد العقل ويتسلط ويغلظ ويشط ويغط في سبات الأفكار المميتة، فإن الصحوة مستحيلة، ولا انفتاح على الآخر، مثل الدخول في نفق يشتعل بالنيران، وإذا كان الأمر كذلك فإن الصراع هو الحتمي في العلاقة ما بين البشر.. فعلى الرغم من التقدم المادي والتطور التقني إلا أن اللاشعور الجمعي لم يزل يحمل في موروثاته النفسية بقايا مزمنة من عصور الظلم والظلام، ولن تستطيع البشرية الخروج من نفق الحروب المدمرة، إلا إذا انفك عقال العقل، وذهبت الفكرة في بساتين التألق، متجولة بحرية وشفافية، منطلقة نحو أفق أديان متعددة وهدف واحد هو إصلاح ذات البين بين الإنسان والإنسان منتهياً نحو كون يؤمه الحب، ويؤلف بين ألوانه عقل رزين أمين مكين.. يُسقى من معين الحلم الإنساني الواحد.