لو نصل في يوم من الأيام الى تحريم التحريم لتخلصنا من كثير من الفتاوى المضللة والتي باتت مثل الزبد يغطي سطح المياه في عقولنا.. المفتون تخلوا عن القضايا الجوهرية وانغمسوا في التفاصيل الباهتة ما جعل المتلقي يعيش حالة من الضبابية في الحكم على الأشياء وكذلك في التصرف ومواجهة أعباء الحياة.. فقد أصبح لدى المفتين عقد الاسترسال والإستسهال في إصدار الفتاوى التي لا تغني ولا تعني حياة الناس بل تزيدهم قلقاً وارتباكاً وتخرجهم من دائرة العقل إلى محيط الفوضى في الإحساس.. فالإسلام واضح وآياته بينة وتفيض بالحكمة والدلالة ولا تحتاج إلى هذا الفيض الهائل من الافتاءات التي لا تخرج عن القشور ولا تتجاوز حدود الشكليات.. ففي ليلة رأس السنة تبادل الأبرياء التهاني بحلول عام جديد وتمنوا فيه السلام والوئام للعالم أجمع ولكن البعض تصدى لهذا السلوك بأحكام تدل على الانغلاق وطرق أبواب التزمت والتعنت من أوسعها وأشنعها وأفظعها، فاستاء المفتون واعتبروا الاحتفاء بالعام الجديد بنفوس رضية عفية متفائلة شيئاً من الانحراف عن الدين، معتقدين أن السنة الميلادية سنة مسيحية «كافرة» ولذلك لا يجوز الانجرار مع «الكفرة» ونسي هؤلاء أن السنوات والأشهر والأسابيع والأيام جزء من الزمن، ونحن كبشر نعيش داخل الزمن وليس خارجه، وهو يؤثر فينا من ناحية الانتماء إلى كونه، بُث فيه الزمن كحكم إلهي، يجعل من تطور الإنسان وتحوله من حالة إلى أخرى جزءاً من الزمن.. الذين يرفضون الاحتفال بالأيام التي تمر والأيام التي تأتي هم أناس خرجوا من الزمن، أناس يعيشون في فضاءات ما بعد الجاذبية الكونية فلا يستطيعون تثبيت العقل عند حيز الكون الذي نعيش فيه، فلذلك فإنهم يخوضون في التفاصيل التي استولى عليها «الأنا» الشيطان، وبدت الحياة بالنسبة لهم مثل برميل أحكم إغلاقه إلى أجل غير مسمى.. ومن هنا يخرج التطرف وينمو الإرهاب.. وعندما يغلق العقل نوافذه يفسد هواء الغرفة المغلقة.