تحظى بعض الأعمال الأدبية أو الفنية بحظ وفير من الانتشار والنجاح أحياناً وتنهال على صانعيها التكريمات والمديح وربما الجوائز. وحين تُقيّم العمل كمتلق ذي خبرة تراكمت بفعل الاهتمام بالمتابعة، وذائقة حرصت على ألا تتركها تنساب مع المزاج العام تجده عادي المستوى إن لم يكن دونه. ربما برزت فيه فقرات أو مشاهد قيّمة من وقت لآخر ولكن هذا بالتأكيد لا يجعل منه عملاً عظيماً يستحق ما يلقاه من إشادة على المستوى الجماهيري أو حتى النقدي. فتُتوج روايات عن الثورة في زمن الثورات، وتنجح أفلام عن السلام في زمن الأزمات، ويتم تمرير أفلام أو كتب رديئة المستوى عن التسامح في زمن طغيان الإقصاء والتعصب، وهكذا تتألق أعمال سينمائية وروايات أدبية، لأنها صدرت في وقت معين تشتعل أجواؤه بالفكرة التي تناولتها بغض النظر عن مستواها الفني. هي إذاً مسألة توقيت فقط، ومعيار النجاح هنا يحدده المزاج الشعبي العام ساعة الصدور. وهو بالتأكيد ليس معياراً فنياً يؤهل هكذا أعمالا للانضمام لسلسلة الأعمال الخالدة حتى وإن كسّرت الدنيا ساعة صدورها وشغلت الناس. بعد تبدل شكل العالم إثر أحداث سبتمبر 2001 وما تلاها من مواجهات بين أفكار ورؤى حول مفهوم «الآخر» وصلتني رسالة من دار نشر أميركية تقترح أن تنشر عملي القادم وتترجمه للإنجليزية مبررة اهتمامها اللامنطقي بكاتبة عربية مغمورة بأنه «توقيت مناسب» فالشارع الأميركي ينتابه الفضول لمعرفة ما يدور برأس النساء المسلمات تحت الغطاء. بالتأكيد تجاهلت الرسالة، ليس لأني لا أُريد أن أُقرأ في فضاءات مختلفة، ولكن لأني لست «امرأة تحت الغطاء». تبدأ الأعمال الفنية في أخذ حجمها الحقيقي من التقييم الموضوعي حين تتعلم المجتمعات الإنسانية أن ترى بعضها بعضاً على نفس المستوى من الإنسانية. وهذا لم يكن أبداً شأن المجتمعات البشرية على مدى التاريخ مهما تمدنت على مستوى النخب يظل الموج الجماهيري المنساق بقوة الاتكاء على المفاهيم الجاهزة هو الحكم النهائي. ولكن الأعمال الخالدة على مستوى الأدب والفن تبقى حتى وإن فشلت جماهيرياً في وقتها، تبقى لكل الأزمان لأنها خاطبت منذ البداية، وبكل تجرّد، إنساناً جالساً على ظل شجرة يتأمل في حركة انسياب نهر ويغني لأحلامه مفعماً بمحبة غير مشروطة لكل ما في الكون.