- ما أجمل برنامج الشواب نهار الجمعة قديماً، يتفطر مع جاره، ويلوف أرحامه، ويمر على السوق، ويتشرا إيدام وحلاّ قيس الدار، وقيس عجائز ما لهن أحد، ولازم يبرّهن في هذا اليوم المبروك، وبعدها يخطف على المحسن، ويجز له ما تبقى من شعرات في الرأس، ويهذب اللحية والشارب، وعقبها يروح الشريعة، ويتسبّح، لين يحين وقت الأذان، وهذاك سيره صوب المسجد الطيني القابع في وسط واحات نخيل العين، في ذاك النهار تجده يُسلّم على مائة شخص من معارفه، واليوم نسأل لما كانوا فرحين دوماً، وضحكتهم لا يحدّها المدى! - حين ظهر النفط عندنا، ظهر بعض التمايز الاجتماعي الذي بدأ يطل برأسه على المجتمع البدائي البسيط، والناس الذين كانوا قديماً فيه متساوين في الشدة والرخاء، ومتحابين في السرّاء والضرّاء، يثيبون للمحتاج والمعتاز، ويسرون في شف الصديق والغريم، جاء المال، والوقت الجديد، وحيّدَهم، وأجبر أبناءهم أن يختالوا بما أوتوا، ويتعالوا بما أصابوا، لكن لا المال زيّن الحال، ولا قبضوا من سلّو الأولين قدر مثقال! - حين تسمع بعض قادة التلفزيونات، وجنرالات الفضائيات، وزعامات القنوات، تقول: أين هم؟ وأين تلك الحروب؟ أين أكاليل النصر، وغار الظفر؟ لا شيء إلا الخطابات، وذلك الزبد، وتلك الانتصارات المنقوصة من أطرافها، وذلك الهرج، لهم من اللغة التسويف، وأحرف التفضيل، وما ليس له محل من الإعراب، وتزيين الهزائم، لهم من الإسلام ما يشتهون، وما يسرقون، ولهم الكمد، ينعبون على الطائفية، وما يحرق البلد، يكذبون بقناعات، ويتسترون بأقنعة، ويقسمون بالوطن، ويجنبون الولد، صحيح ما كان يقول عندنا الأولون في الأمثال والبدع: «التي تَهرّ ما تضر»! - سمعت «شيخ دين» يتحدث في إحدى القنوات، وانتشر حديثه على شبكات التواصل، عن الحمار، وعن فضائله، ويلفق أحاديث عن الرسول الكريم، أن الحمار حدثه حديثاً سمعه -أي الحمار- عن أبيه عن جده، عن آخر أسلافه من ذوات الحوافر، أن النبي نوح ركب عليه، وأخبره أنه سيأتي زمان وسيركب على ظهر من صلبك أفضل البشر، فكنت أنا، فالتفت الحمار للرسول الكريم، ونظر إليه، وهو على ظهره، فقال الحمار: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، إلى ما هناك من حديث خرافة، الذي يسيء للنبي الكريم أكثر من المجلة الفرنسية، أليس المطلوب أن يتم الحجر على هذا الشيخ المعطوب، ويمنع وأمثاله من العيش وسط البشر، فهناك أماكن تليق بعقله، يعرفها، ويعرفها الحمار أكثر!