عندما أطلقت بلدية أبوظبي نظام «توثيق» قبل سنوات عدة، كان التفاؤل كبيرا وسقف التطلعات التنظيمية للخطوة عاليا، خاصة وأنها استهدفت بشكل أساسي القضاء على واحدة من أسوأ الظواهر التي سادت السوق العقاري في العاصمة، وهي ظاهرة التأجير من الباطن، وما ارتبط بها من سكن جماعي. وكذلك للقضاء على «مستثمري الغفلة» الذين كانوا يقومون بإعادة تأجير الوحدات العقارية بعد أن يحولوها إلى ما يشبه بيوت الحمام، مستغلين حاجة البعض، وإسكانهم في ظروف غير صحية أو إنسانية. وفي مقدمة الصفحة الخاصة بالمشروع على الموقع الإلكتروني تقول البلدية: إنها أطلقته باستخدام أحدث التقنيات والمعايير العالمية الخاصة بتسجيل بيانات العقارات القابلة للتأجير والعقود الإيجارية. وفي قسم آخر تقول: إنها اعتمدت طريقة لا يستغرق معها التسجيل أكثر من 18 دقيقة. وقبل أن نخوض في مسألة المدة الزمنية، أليس من حقنا التساؤل عن مدى إسهام المشروع في القضاء على ظاهرة وجد في الأساس لتخليصنا منها، ونعني السكن الجماعي والتأجير من الباطن. أما عن الزمن الذي يستغرقه التسجيل، فلا ننكر أنه في البداية كان سهلا ومرنا قبل أن يتحول على يد بعض الموظفين إلى صورة من صور التعقيدات الإدارية التي لا تتفق وعصر الإدارة والتطبيقات الذكية. والدليل حالة التكدس في قسم «توثيق»، حيث يضطر المراجع الموظف للاستئذان من عمله لمراجعة القسم الذي يتفنن بعض موظفيه بطلباتهم، أحدهم طلب منه صور خلاصة القيد لجميع أفراد الأسرة، وعندما راجع موظفاً آخر استغرب طلب الأول، ولكنه طلب صور جوازات السفر، ولم يقبل ببطاقة الهوية، وهكذا. بعضهم يصر على جلب فاتورة الكهرباء، وهو يعلم أن «أبوظبي للتوزيع» لا تصدر اشتراكاً إلا بعقد موثق وباسم صاحبه فقط. وهل هناك من يستأجر عقاراً من دون خدمات الكهرباء والماء!؟. شخصياً أدعو البلدية للاستفادة من تجربة وزارة الداخلية والنقلة الهائلة التي حققتها في مجال الخدمات والتطبيقات الذكية، والتي أتاحت ليس فقط تجديد جوازات السفر عبر الهاتف، وإنما استصدار تأشيرة دخول للقادمين، ناهيك عن نشر مراكز للخدمات في «المولات» وتمديد ساعات الدوام، لأجل التسهيل على جمهور المتعاملين لا إرهاقهم بالطلبات والتعقيدات الغريبة.