قد يكون مصطلح «الشعوب الصديقة للسياحة»، غريباً بعض الشيء لدى البعض، ولكنه مصطلح دارج في عالم صناعة السياحة والسفر، بل هو أحد المعايير التي يتم بناء عليها تقويم الوجهات السياحية في العالم، كما أنه أحد وسائل الترويج السياحي المهمة في هذه الصناعة. عندما يسافر السائح إلى دولة ما لقضاء عدد من الأيام، فإن أول ما يتملكه هو إحساس الغربة، فهو شخص غريب عن هذه البلد، ويشعر دائماً بشيء من التوتر، مهما بلغت نسبة الأمان فيها، فليس هناك أمان بنسبة مائة في المائة في هذا العالم. هنا تصبح الحاجة إلى الشعور بالتآلف والتعامل السهل والمهذب من أصحاب البلد ملحة لدى السائح، وتحدد التصرفات الفردية من أهل البلد هذا المعيار، وبناء على تصرفاتهم مع السياح، تصدر لائحة كل عام بأكثر الشعوب صداقة للسياح. في تراثنا العربي الإسلامي سنجد أن المنطقة العربية اهتمت بهذا الجانب اهتمام كبيراً وغريباً، دون أن يتم تصنيف ذلك بالطبع في هذا الوقت على أنه «شعوب صديقة للسياحة»، وكان التعبير العربي الشهير «ابن السبيل» هو أحد مظاهر الترحيب بالغرباء بل يمكن أن نقول بمعايير عصرنا الحالي أنه مبالغة في الترحيب بالسياح..! حيث كان ابن السبيل المسافر من بلد إلى آخر مروراً بمكان ما، يلقى الترحيب الكبير، والاستضافة الكاملة في الإقامة والمأكل والمشرب، مع توفير الحماية وتقديم العون، بل والمال أحياناً، وسنجد ذلك واضحاً في تراث العرب، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة. وإذا كنا السباقين في هذا المجال على مستوى البشرية، فلا أقل من أن نحاول إحياء بعض من هذه القيم مرة أخرى، ليس بالشكل والطريقة نفسيهما بالطبع، فالزمن تغير واختلف واختلفت مظاهر الحياة، ولكن يجب أن نعمل على نشر ثقافة الترحيب بالسياح. وما علينا إلا أن نضعها فقط في إطار تنفيذي بشكل معاصر، وأن نعمل على الترويج لها في المحافل السياحية، وأن نعيد أصولها من جديد، لتكون أحد المقومات السياحية المضافة لما نمتلكه من مقومات متعددة. وسيكون هذا بمثابة إعادة إنتاج صورة جديدة للمنطقة العربية، التي عمد البعض إلى تشويهها لسنوات طويلة.