قرأت ذات مرة أن معلماً طلب من تلميذه أن يقرأ كتاباً، بعد عدة أيام عاد الطالب لمعلمه بعد أن فرغ من قراءة الكتاب وقال له « لم أشعر بأية فائدة تذكر لهذا الكتاب « تناول المعلم الكتاب وناول تلميذه بضع تمرات وطلب منه أن يأكلها، بعد أن فرغ سأله هل كبر جسدك أو زاد ذكاؤك ؟ أجاب الطالب بالنفي، رد المعلم لكن الفائدة من التمر متحققة، حيث ثبت علمياً أنه غذاء متكامل يفيد الجسد والعقل والدم والعظام، لقد تفرق الكتاب فيك كما تفرق التمر في جسدك ، إن تأثير الكتب وأثر القراءة متحقق آجلا وبالتراكم في شخصيتك وتفكيرك وطريقة حديثك وسلوكك فلا تندم ! ليس كل المعلمين يفعلون ذلك وليس كل التلاميذ والطلاب يستجيبون لاغراء الكتاب والقراءة، ولو فعلوا لجنى المجتمع الكثير، ولسجلنا أنفسنا في جداول الأمم المتحضرة التي صارت معدلات ساعات القراءة وعدد الكتب التي تُقرأ واحداً من مقاييس التنمية الإنسانية الأساسية التي تحتفي بها المنظمات العالمية سنوياً لتقول بصوت عال وواضح هذه أمة فالحة ومتحضرة وتنمو بشكل ومضمون صحي إنسانياً وبشريّاً وهي في رأس القائمة لأن أهلها يقرأون كذا ساعة في الأسبوع وكذا كتاباً في الشهر وأنها تنتج كذا كتاباً في السنة وتنفق كذا ملياراً على صناعة الثقافة والكتب والمعرفة، بينما تلك الأمة في ذيل القائمة لأن أهلها لا يقرأون ولا يشترون الكتب ولا ينتجونها من الأساس أو أنهم توقفوا عن انتاجها منذ زمن طويل ! المبشر في هذا المجال حديث مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم والتي أوضحت بالأرقام والإحصاءات أن معدلات القراءة بين طلبة مدارس أبوظبي قد ارتفع ليصل مؤخراً إلى ما نسبته 88 % من الطلاب الذين يمارسون القراءة بشكل يومي يتراوح بين ثلاث ساعات ونصف الساعة، وذلك في المدارس الحكومية والخاصة بتفاوتات في النسب ومعدلات القراءة ، هذا الخبر مفرح ويمثل نجاحاً حقيقياً لمجلس أبوظبي ولأي مدرسة ومعلم ، فحين تصبح القراءة سلوكاً يومياً نكون بالفعل قد تجاوزنا معضلة حضارية يعاني منها الوطن العربي منذ عقود، ويعيد انتاج الشكوى منها باستمرار دون أي إشارات تذكر على نجاح أو تقدم في تغيير هذا الواقع ! نجاح مجلس أبوظبي للتعليم حيال معضلة حضارية كهذه يستحق التقدير ويدل على جهود كبيرة مبذولة لتحقيق هذا المنجز، الذي سينعكس حتماً على تعزيز القيم عند الطلاب واتساع آفاقهم ومعارفهم وقوة شخصياتهم وعلاقتهم بذواتهم ومجتمعهم وانتمائهم لوطنهم ، فالقراءة في حقيقتها مشروع أمة قبل أن تكون مجرد هواية أو هدف تعليمي قصير المدى!