لا يمكن أن تجلس مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، من دون أن تسمع منه تلك الكلمة: «يا خال»، وكأنها صارت مع الأيام لازمة له، حتى من دوّن سيرته، وهو الصحفي محمد توفيق، سمى الكتاب «الخال»، التقيته في أبوظبي، وفي بيروت، وفي القاهرة، أول ما يتبادى عليك، لا يمكن أن تعتقد إلا أنه رمز للفلاح المصري، الصعيدي، البسيط، الفصيح، حتى بدلته الرسمية يفضلها واسعة كثوب الصعيدي الفضفاض، أما لهجته، ولكنته فقد ظلت محافظة على نغمتها، ونبرتها، وكأنه خرج من محافظة قنا قبل أيام، وكأنه لم يعش في القاهرة طوال خمسين عاماً، وكأنه لم يخالط النخب المثقفة من مفكرين وكتّاب وفنانين، ثمة شيء جميل في حياة الأبنودي يجعله منحازاً لذاته الأولى، لبساطة الصعيد، للطفل الذي فيه، ولا يريد له أن يتمدن أو يكبر أو يتكبر. ولد الأبنودي في شهر أبريل، مثلما مات فيه، قبل 76 عاماً في قرية أبنود، بمحافظة قنا، أبوه كان مأذونًا شرعيًا، تزوج من المذيعة نهال كمال، ورزق منها بابنتين آية ونور، حينما ترك قريته، وانتقل لقنا، وجدت ضالته الإبداعية وهي أغاني السيرة الهلالية التي كان يسمعها من المدّاحين والمغنين، والقصاصين، وعازفي الربابة، فتأثر بها الأبنودي، وصاغ أشهر أعماله «السيرة الهلالية» التي جمعها من شعراء الصعيد، ولم يؤلفها، كانت انطلاقة الأبنودي القاهرة، حينما تعرف على عبد الحليم حافظ، وصاغ له أجمل الأغاني الوطنية والعاطفية، والتي تحمل نَفَساً مختلفاً، وأجواء مصرية نقية، تماشت مع نصرة الفلاح، وثورة الضباط الأحرار، وحكم عبدالناصر، رغم أنه سجن في عهده، إلا أنه كان يحبه ويحترمه، مثل: أغنية «عدا النهار»، و«أحلف بسماها وبترابها»، و«أحضان الحبايب»، وأغنية «تحت الشجر يا وهيبة»، و«عدوية»، لمحمد رشدي، و«مال عليّ مال»، لفايزة أحمد، و«عيون القلب»، لنجاة الصغيرة، و«آه يا أسمراني اللون»، لشادية، وأغانٍ لمحمد منير، وعلي الحجّار، أما أغنية «ساعات ساعات»، لصباح، فقد كنت معه ذات مساء في سهرة لبنانية، ومعنا الشاعرة خلود المعلا بعد مشاركتنا، وتكريمنا من قبل مهرجان «صور»، فغنتها مطربة مغمورة ليلتها، فعلقت أن «ساعات.. ساعات» من أجمل الأغاني، ودائماً ما تشعرني أنها ليست لصباح أو لم تخلق لتغنيها صباح، وكان هذا رأيي من قبل، دون أن أعرف من هو مؤلفها، فضحك الأبنودي، فقال: ياه.. طيب تعرف يا خال إن هذه الأغنية، للعبد الفقير، فقلت: هذه مدعاة لحبها أكثر، رحمك الله يا.. خال.