بعد سنوات كثيرة، طالت أكثر مما ينبغي، هأنذا في القاهرة، وقد فاتني الكثير من أحداثها الجسيمة ومشاهدها التي اكتفيت بمتابعتها تلفزيونياً، أحداث هزت وجدان المواطن العربي وخلخلت خريطة الوطن، أحداث تمنيت، وأنا أتابعها أن أكون في قلبها، قريبة منها فليس أعظم ولا أهم من أن تشهد تاريخاً يتكون أمام ناظريك، بغض النظر أعجبك ذلك الذي يحدث أم أغضبك، حيث يتأسس التاريخ، ويتكون وفق فكرة الدورة التاريخية الحتمية التي لا تلتفت كثيراً لأوجاعنا أو مسراتنا، اليوم والسيارة تقطع بي شوارع القاهرة المزدحمة تتوالى على مخيلتي صور أربع سنوات من المعاناة، والتحدي والتعب، والعنف، وحوادث القتل والتدمير، والمسيرات وصناديق الاقتراع، وقصص الصراعات السياسية والمالية والفساد والمفسدين وحراس الفساد. أقرأ لافتة يشير سهم لليمين في أعلاها إلى ميدان التحرير، فأتذكر ذلك الهدير، وتلك الأيام التي لا تنسى، أيام غيرت حياة مصر والمصريين حد التعب الذي لا يبقي ولا يذر. اليوم نحن في مصر، ضمن وفد إعلامي إماراتي يضم نخبة من الكتاب والصحفيين والإعلاميين، جاؤوا ليقولوا لمصر والمصريين جملة مختصرة وعابقة بالمحبة، «نحن معكم» على طول الخط، فمنذ كان الوطن العربي كانت مصر قلبه وروحه وبوصلته، ابتسامته وأغنيته وجامعته، ونعلم أن مصر تتقاذفها تحديات ومؤامرات لا يستهان بخطورتها، لكننا نعلم أيضاً أنها على قدر التحدي وبحجم الآمال المعقودة عليها، فقبل مخاطر اليوم واجهت مصر ما لا يحصى من المخاطر، اجتازتها بخزان من الصبر والجلد، نفضت يديها كثيراً، وجلست تحت قبة سمائها الصافية تستمتع بخلودها الذي لا يضاهى، وبخلود نيلها العظيم. مصر دولة محورية في إقليم عربي يموج بفوضى عارمة، يؤمن عرابوها أنها لن تحقق نتائجها ما لم تعبر على جسد مصر الدولة، وهذا لن يحدث ويجب ألا يحدث، هذا المستحيل هو الفكرة الناصعة والأساسية التي تنطلق منها قيادة مصر اليوم، وهي تواجه طوفان المؤامرات من الشرق، ومن الغرب، بينما العرب عاجزون عن صناعة نصر صغير كل على أرضه، فالكل يتخبط والجميع مهددون، وللمرة الأولى يتجسد قول الشاعر أحمد شوقي، (كلنا في الهم شرق) بهذا التحديد القاسي. ومع ذلك، فعلى مصر أن تقاوم وتتحمل، وعلينا أن نكون معها، ليس اختياراً، بل التزاماً ولزاماً ! مصر بلاد خلقت من الماء، وعلى ضفاف الماء لتكون بلاد سلام وأمان ومحبة، وهي تستحق أن تكون كذلك.. وهنا نستذكر قوله تعالى، «وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».