دول إقليمية فاحشة في تدخلها وتوغلها وتبحث عن دور لحل معضلات صنعتها بأيديها، فأي منطق يحقق هذا التوازن وأي عقل يقبل مثل هذا التناقض الرهيب. هذه الدول عممت ويممت وجهها باتجاه الوطن العربي، ساعية إلى الانتشار السريع، بمعتقد عدواني مريب، وغريب وعجيب، لا يأخذ بعين الاعتبار أن سيادة الأوطان ومشاعر الشعوب لا تؤخذ بالأحمر الفاقع، وأن الذين يريدون جواراً سالماً، مسلماً متسالماً مع نفسه أولاً ثم مع الآخر عليه أن يفكر جيداً بأن العلاقات الإنسانية لا تعالج بالاستكبار، ولا تتداول بالجور والإجبار، بل إن التاريخ أسقط دولاً وحضارات فكرت في التوسع على حساب الآخر. وتصرفت كما تفعل الثيران في ملاحقة اللون الأحمر، التاريخ أقوى من كل المدعين والمتسلقين والمتسللين والمتسولين، والمتفانين من أجل إثبات الوجود على أرضية رخوة، وواقع هش ورخيص، هذه الدول التي ضربت الأمية أطنابها لدى شعوبها والفقر والتخلف فعلا فعلتهما الشائبة، هذه الدول فكرت أن تكون «كبرى» ومؤثرة في أحداث المنطقة وأحياناً تتصرف كوصي، يمسك عصاه لمآرب أخرى، ولكن كل هذه التباينات باءت بالفشل، لأن الواقع شيء والخيال شيء آخر. الآن هذه الدول بعد أن أحست بالهزيمة أمام المعطيات الجديدة تحاول أن ترتدي ثوب العفة وتتظاهر أنها على استعداد لأن تشارك في حل مشكلات المنطقة ولكن كيف؟ فالوجدان العربي أصبح على أهبة الاستعداد لأن يرفض كل هذه المهاترات، وأن يواجهها بحزم وعزم، بل إن هذه الدول أصبحت جسماً غريباً على المنطقة، وأن محاولات ترقيع الثوب الممزق لا تجدي نفعاً، فما فات فات، والإدعاء الذي رفعته هذه الدول قد مات، وصار طي النسيان، وإن أرادت هذه الدول الغفران عليها أن تعترف أولاً بأنها السبب في المآسي التي طفح كيلها في الوطن العربي، ثم تتخلى عن أوهامها، وخيالها المريض، وتعترف أن العرب ليسوا رعاعاً، ولا بقايا حضارة، بل هم الحضارة التي أشعلت مصابيح النور في منازل تلك الدول في زمن كانت هذه الدول تغط تحت سطوة عبودية النار والشيطان.