يشكو المواطن العربي والمسلم من أشياء كثيرة مؤلمة وموجعة ومرشحة بأن تصبح علة مزمنة، أول هذه الشكاوى وأقساها هو الخوف، والخوف من كل شيء، فهو يخاف من الجديد لأنه قد تكون فيه بدعة، والبدعة من الضلالة والضلالة من النار، ويخاف من إبليس وأعوانه، والشيطان وهمزاته ووساوسه، يخاف من النار والوقوع فيها والطريق المؤدي إليها، يخاف من أقوال الأولين من الأولياء والصالحين، يخاف من القبر وعذابه وما قد يسجله الملكان عن يمينه وشماله، يخاف من مديره، ويخاف على رزقه وعلى عياله، يخاف من المسؤولية ويخاف من الوحدة، يخاف من الأيام وما تخبئ له، يخاف من الشرطي ومخالفاته، يخاف من بلوى تنحدف عليه، يخاف من السجن يدخله مظلوماً ولا يخرج منه، يخاف من مأمور الضرائب، ويخاف من فواتير المستشفيات الخاصة، ويخاف من الغلاء وزيادة الأسعار، يخاف من أن تباع له بضائع منتهية الصلاحية، وبضائع غير صالحة للاستخدام الآدمي، يخاف من الكهرباء وانقطاعها وفواتيرها، يخاف من اللوم وما يقوله الجار وما ينتقده فلان فيه، يخاف إن ضحك كثيراً بأن لا يبشر بخير ولا يلقى خيراً، يخاف من كل شيء، ولا يخاف من ربه! البعض من الناس يحبون المشاكسة من أجل المناكفة، ولا يحبون أن يتخلوا عن تفسيراتهم التي يعتقدون أنها هي الصحيحة والمستنتجة، والبعض يعتقد أن أي حديث إما يخصه كفرد أو كجنسية، لا يتركون نقاط التقاطع التي تجمعنا، فيظهرون مدافعين ومنافحين يتصدون للركلات الطائرة، فلو قلنا: إن الترويقة في صباح بيروت ليس أطيب منها، وأنها أحسن من ريوق المواطنين الخبيصة والبلاليط والخنفروش، فسيخرج من يدافع عن البلاليط والخنفروش، وكأنه من قيمنا الاجتماعية الأصيلة، وشعار لوحدتنا وتجمعنا العربي المستهدف، أو يخرج آخر محتجاً أن الفول هو أكلة الشعب القومية، وأنه لا بديل له ولا عنه، ويؤنبك على تجاهلك للفول أكلة الشعب المكافح منذ قديم الزمان، أو ينبري آخر معتبراً أن الزعتر من مقدرات ومكتسبات الوطن الحر، ويتساءل مم يشكو الزعتر مع الزيت على الصباح وعلى الصاج؟ دائماً هناك حراس وهميون لمرمى افتراضي، وعليهم أن يذودوا عن حماه من الطير الطائر، في حين الإنجليز لايضيرهم إن تحدثت عن إفطارهم أنه ماسخ، ولا يمكن أن تفتقده إن غاب عنك سنين طويلة، وحدنا نحن العرب نحمّل الأمور فوق طاقتها وطاقتنا، نتحسس من كل شيء حتى من البلاليط والعصيد والخبيص والفقاع!