اتردد على مركز تجاري في العاصمة اتخذت إحدى الشركات الخدمية الحيوية منه مركزاً لخدمات الجمهور، ولكنه من غرائب المراكز التي رأيتها، فالموظفون فيه لا يقبلون السداد النقدي لفواتير الخدمات، ويحيلون المراجعين لجهاز الدفع الآلي الذي- لسوء حظي- وجدته معطلاً في المرتين اللتين استعنت به وخلال شهرين متتاليين. وقد كان أطرف تعليق سمعته من الحارس الذي أوضح أن الآلة غير متعطلة، ولكنها ممتلئة بالنقد أو -كما قال-” فلوس متروس”، وبالتالي لا تقبل المزيد مما يسدده المراجعون. وعندما استفسرت عن سبب عدم تفريغ الجهاز مما فيه، عرفت أن الشركة متعاقدة مع أخرى تتولى المهمة، ولحين حضورها بإمكان المراجعين سداد ما عليهم في محل مجاور للصرافة. مشهد يعبر عن نظرة مثل هذه الجهة لطريقة التعامل مع مراجعيها، والمنطلقة من زاوية ضيقة ترى أنهم مضطرون للسداد، وإلا سيف قطع الخدمة مصلت عليهم. ومن الطرائف أيضاً أن جهازاً للدفع الآلي وضع في إحدى الدوائر المحلية في أبوظبي، يقبل السداد عن مؤسسات وشركات وجهات خدمية ما عدا الشركة المعنية، رغم أمكان السداد لفرعها في العين عبر ذات الجهاز. ومثل هذه المشاهد تتكرر مع العديد من الأجهزة والمنافذ الخاصة التي يقبل عليها الجمهور مع بدايات كل شهر ليسدد كل فرد ما عليه من مستحقات نحو الجهات التي توفر له الخدمات الأساسية، والتي يفترض بها أن تستنفر طاقاتها في تلك الأوقات، لا أن تجعل من سداد فاتورة نوعاً من إرهاق عميلها الحريص على سداد ما عليه. وأكثر ما يستفز هذا المراجع ما يسمعه من بعض موظفي الجهات، وهو ينصحهم بالسداد عبر الموقع الإلكتروني، من دون أن يسأل ذلك الموظف نفسه، إذا كان المراجع قادراً على ذلك، هل كان سيتحمل عناء المجيء إليه؟. على مثل هذه الجهات أدراك حقيقة وجود شريحة من المستهلكين غير قادرين لظروف تقنية أو لتقدمهم في السن أو حتى جهلهم بطرق استخدام مثل هذه الوسائل العصرية. والقضية أيها السادة ليست بإدخال هذه الطرق العصرية لخدمة الناس، ولكن في جعلها تسعدهم بدلا من الشعور بالسخط على مكائن”فلوس متروس”.