في الثلاثي المرعب «الحب، التعلق، الحرية» يضع الإنسان العربي قلبه عند بؤرة الخطر، فيتعلق ، فيحن أو فيما يحب، يصبح عبداً تأسره الألوان الفاقعة وتحتل وجدانه الصورة المبهرة.. في العقيدة كما هو في العلاقة الشخصية، نجد الحب يتحول إلى قبضة حديدية، تمسك بالتلابيب، وتجهض كل محاولات التملص أو التخلص من أنياب هذا الحب.. فكيف لا تتشوه القيم السامية والمبادئ الرفيعة إذا كان المتعلق كائناً بشرياً مستلباً، ويعيش حالة التلاشي داخل وعاء عواطف وهمية خلقها لنفسه، ثم غاص في نسيجها ليصبح كائناً معدوماً. ما نراه اليوم من قتل وتدمير في عالمنا العربي ليس إلا مثالاً لهذا التعلق، لهذا الانحراف الأعمى، لهذا الهذيان الديني الذي أخرج الكائنات من الفحوى والمضمون، وصار الدين مرتبطاً بالأنا المتورمة، بالذات التي غابت في أحشاء البارانويا، ولم يعد من مجال للانفكاك طالما وجد الحاجب الأسود يغطي العيون ويعمي البصيرة، فمنذ انهيار الدولة الإسلامية وبروز التشققات في الجدار الديني أصبح من الصعب لملمة الجراح ومن الصعب أيضاً اللحاق وراء عقل أصبح في حالة هستيريا المظهر ولا يجد المرء ما يغريه في هذا الانهيار الكلي بعد التعلق المرضي إلا يقظة العقول الذكية التي استوعبت ما يجري، فنهضت لتجازي الشر بمقاومة فكرية ثاقبة، لا تفلت منها التفاصيل، مهما حاول المتزمتون الذين يلعبون على حبال الدين ليدغدغوا مشاعر البسطاء، باستخدام الدين وسيلة لتحقيق مآرب أخرى. نحن اليوم في صراع وجود ما بين المتعلقين المرضى والأحرار الذين يحبون الحياة كما يقدمون للآخرة بما يرضي الله ورسوله.. صراع وجود ضد العقل المستبد الذي غادر الصحوة منذ أن اشتق سيد قطب معالم على الطريق الوعر ليبني مجداً وهمياً لا يخدم للود قضية ولا يؤسس لعالم نوره الله في السماوات والأرض، ما يحصل صراع ولابد أن يزهق الباطل وينتصر الحق وتتحرر الشعوب من صهد الأوهام التي زرعها خصاميون غارقون في مرض الذهان.