كره الآخر، ينتج عنه كتلة من الجحيم، تتوغل في الذات، لتصبح هشيماً وعديماً، فالذين يكرهون يعدون أنفسهم لحرب شعواء تدور رحاها في الداخل، فتشعل الحرائق، ويباد عشب القلب تحت سطوة نيران لا تخمد .. نلاحظ الحاقدين كيف تتجعد جباههم، وتتغضى جبائنهم، وتذبل جفونهم، وتلتوي وجوههم كأنها سجادات قديمة نام عليها غبار الزمن المكفهر .. الذين يحقدون يمارسون مازوخية رهيبة على الذات، ويجلدون أنفسهم بسياط من نكد وسهد، هؤلاء لا نيام ولا تستريح لهم روح لأنهم يعيشون حالة غليان تشوي الكبد والقلب، وتتلظى النفس جراء ذلك، على حطب النار. الذين يحقدون، يعانون عصاباً قهرياً فتاكاً، يغرس أنيابه في الروح، فينهش ويفرش عباءته السوداء تحت الجفون، ويعمم الرأس بكتلة من رماد الاحتراق .. الذين يحقدون فقدوا الصلة مع الواقع، وانحازوا باتجاه العزلة الفكرية واختاروا الوهم، وسيلة لرسم الصورة للعالم. الذين يحقدون يواصلون الخربشة على جدران الذاكرة، فيرسمون صوراً كاريكاتيرية مفعمة بالكآبة ويصورون العالم من حولهم كأنه غابة موحشة. الذين يحقدون يعتقدون صخرة صماء يحاورون أنفسهم، ويسردون حكايات خيالة لا أساس لها من الواقع، ينظر إلى الآخر، نظرات ريبة وخوف يظنون أن الآخر كائن جني به من عوالم أخرى وعلى أطباق طائرة لكي يخطف وينسف. الذين يحقدون تورمت ذواتهم، فأصبحت مثل مفخخات قد تنفجر في أي وقت، ولأي سبب من الأسباب ودون سابق إنذار. الذين يحقدون انفصلوا عن الواقع، واستكانوا عند نفق أسود، وأخذوا ينظرون إلى الآخر من منظار داكن، فلا يرون في الآخر غير شياطين تتنافس على إقصائهم من الدنيا. الذين يحقدون خاوون مفرغون مهووسون هستيريون جاهزون للعدوان على الآخر لمجرد إشارة. الذين يحقدون، أعداء لأنفسهم، كما هم أعداء للواقع، كما هم أعداء للقيم السامية، كما هم أعداء الله.