دائماً كنا نقول: إن الكرة تفعل ما لا تفعله السياسة وإنه في أي وقت بإمكان اللعبة أن تجمعنا، وحتى حينما كنا نختلف، كنا نعول على الكرة في أن تلطف الأجواء.. بسذاجة افترضنا ذلك.. لم نفطن إلى أن السياسة ولأن الكرة ببلاهة وسذاجة وطيبة قلب أولئك غير المكترثين بالكراهية، تبدو كالغول الذي بإمكانه أن يأكل كل شيء ويحطم الأماني على جدار الاستحواذ والاستقطاب والنار. نصف الكرة العربية الآن معطلة، حتى لو بدا الأمر أقل من النصف، بل إن من ينظر للأمر بمقياس القوة والحضور والجمهور يرى الغياب أكثر من النصف، لنفتقد نحن في بلادنا دوريات كنا نتابعها، فلا الكرة في مصر كما كانت حتى لو عاد الدوري، ولا الدوري اليمني بإمكانه الرجوع، وفي ليبيا تبدو الكرة ترفاً وحلماً بعيد المنال كما العراق وسوريا.. تبدل الحال في الوطن الهادئ منذ أن أطل علينا ما زعموه ربيعاً، لكنه كان قيظاً وناراً ومؤامرة لم تيأس بعد من إمكانية تشتيتنا وفرقتنا. نصف الكرة العربية الغائب عن المشهد ترك في الصدر مكانه الشاغر، فالجمهور في كل بلداننا العربية كانوا «أهلي وزمالك» ولليمن كان نصيب من المتابعة والاهتمام، وكذا الحال في بقية الدوريات المعطلة قهراً وموتاً وحرباً، وبالتالي لم يعد بإمكانك حتى وأنت تتابع الدوري في بلادك أن تمنع هذا الشعور الخفي بالحزن وبافتقاد شيء.. اعتدنا أن نجتمع معاً ونفرح معاً ونحزن معاً.في الإعلام بالذات نشعر أكثر وأعمق بتلك البلاد المتخنة بالجراح والأمل، فقد اعتدنا كل صباح ونحن نضع تصورنا لما نكتب ونغطي ونتابع أن نمنح الأشقاء ما يستحقون من اهتمام، لكن معظمهم اليوم غابوا، وما يأتينا من أنبائهم ليس سعيداً.. أخبارهم في صحفنا باتت كحال المشهد لديهم.. سطور من ألم وحروف من معاناة وكلمات من دموع أهلها وصبيتها.لن نفقد الأمل في أن يعود إلينا نصفنا الآخر.. أن يلتئم الشمل .. سنظل ننتظر على شاطيء الأماني عودة من نحب.. لن نيأس ولا نريد منهم أن ييأسوا .. أما أولئك الهانئون في بلادهم.. أولئك الذين لا يزال بإمكانهم أن يذهبوا إلى ملعب أو حتى إلى السينما.. هؤلاء الذين لديهم متسع لشدو الأغاني: حافظوا على بلادكم.. لا تفرطوا في أعظم منح الخالق «الرضا والسعادة». كلمة أخيرة: الأوطان هي الربيع.. بل هي الفصول الأربعة.