ماذا يعترينا إذا سمعنا نغماً جميلاً؟، كيف تستحيل أقدامنا إلى جناحين فنطير وكنا قبل لحظات نسير.. نسير ككائن ثقيل تعب من قصة وجوده القصيرة المكررة الممجوجة. كيف تخلقنا الموسيقى من جديد، وتحولنا لكائنات جديدة لديها أمل ولديها أجنحة ولديها إيمان بأنها قادرة على الطيران. ونجد أن إحساس التحليق هو ما يميز الوجود الثقيل، وذلك المتخفف من عبء اليومي والمستهلك. تهترئ الروح في رحى الأيام التي تشرق عليها الشمس وتغيب عنها وتشرق عليها وتغيب عنها وتشرق عليها وتغيب عنها، أحياناً بصفاء وأحياناً بضبابية وأحياناً بعاصفة ترابية وأحياناً بغموض حس جنائزي نشعر به ونحتار في تحديد منبعه. وما منبعه إلا مرور قطار الرحيل على محطات الأيام، تلك الأيام التي تأتي وتجيء وتأخذ معها أوقاتنا وروائحنا وصدى ضحكاتنا في الأماكن وبلل دموعنا على الثرى وعلامات فناجين القهوة على الطاولات وما تركناه من أثر قد لا تراه إلا عين محب وروح محلقة منذ الأزل بحثاً عن وليفها. من نحن حين تغيب الشمس ولا تعود؟ . تأتي الموسيقى الجميلة، تلك الألحان التي تشبه الطيور الصغيرة المصطفة بأناقة على غصن أخضر، تلك التي وضعها صاحبها على وتر قلبه، وكان حتماً يطير، فتلامس أوتار قلوبنا، فنتوقف عن طرح الأسئلة الدوّارة ومثله نفرد أجنحة القلب ونطير في السماء. في الطيران تحرر ويقين بأن الإنسان في النهاية طير وأن موطنه الفضاء الحر. وهذا اليقين، يجعل الخطو على الأرض نغماً تردد صداه الروح. ويصير كل أثر تتركه قدم نوتة موسيقية، وكل قصة حياة أغنية شجية. وحين تكون حيوات الناس أغاني ينتشر في الجو، كعبق روائح طلع الزهور في الليالي الربيعية، صدى الموسيقى وتخفت في خضم هذه البهجة كل الأصوات الأخرى تلك التي تنعق من الضفة المختلفة.. الضفة الجرداء المحتفية بالخراب والتي كلما أشرقت عليها شمس غطتها سحب البغضاء والقبح والكراهية فأحالتها إلى ظلام دائم. في الموسيقى إعادة إعمار للروح. وإعادة إعمار للإنسان. وإعادة إعمار للمدينة، ومدينة عامرة بالنغم عامرة بالحياة. في الموسيقى انتصار للسلام والجمال والمحبة والخير والفرح. وكائن يغمره الفرح يجيد توضيب حقائبه وارتقاء قطار الرحيل بخفة من أنجز وعده... دون أسى.