لا يمكن أن يقبل العرب في «مرحلة الحزم»، التي نعيشها وجود شرطي إيراني أو تركي أو إسرائيلي في منطقتنا، وهذا ما يجب أن يستوعبه الغرب، وهذا ما يجب أن نتمسك به كعرب. "الحزم العربي" كشف أننا أمة قادرة على الفعل والتأثير والتغيير، فما الذي يعيد العرب إلى مرحلة ما قبل الحزم التي كانت صعبة ومربكة بكل أشكالها وتفاصيلها. الحقيقة التي يشعر بها كل إنسان عربي اليوم هي أن هذه الصحوة العربية يجب أن تستمر وتتواصل، فمن الواضح أن العالم لا يفهم إلا لغة القوة ولا يحترم إلا الأقوياء. لا يختلف اثنان على أن العرب يعيشون هذه الأيام حالة نادرة من التوافق ومن الأخذ بزمام الأمور والمبادرة والفعل بدلاً من القيام برد الفعل.. هناك حالة من الرضا والفخر لأن العرب انتقلوا من مرحلة الشجب والتنديد إلى مرحلة الرفض الصريح، بل وإلى مرحلة تشكيل تحالفات عربية وإقليمية لحماية الشعوب العربية والمحافظة على الأمن القومي العربي، بل وإرسال طائراتها إلى المنقلبين، والمخربين، ودعم الحكومات الشرعية، وهذا ما يحدث في اليمن الآن. في الأسبوع الماضي أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وإيران «رسمياً» عن التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، ورغم أن هذا الاتفاق لم يكن مفاجئاً لكثير من المراقبين، حيث كان من الواضح أن الطرفين توصلا إلى اتفاق منذ زمن فإنهما أرادا الإعلان عنه والاحتفال به الأسبوع الماضي، لتضع طهران وبشكل رسمي يدها في يد ما كانت تصفه بـ«الشيطان الأكبر».. ويصبحا «صديقين»! وليتحول خليجنا إلى خليج نووي، سواء كان سلمياً أو حربياً. لا يهمنا كعرب في الضفة الأخرى من الخليج العربي من هو الطرف الرابح في هذا الاتفاق، هل هم الفرس أم الغرب، فقد وثقنا في الغرب طويلاً، ولم يأتنا منه إلا الطعن في الظهر، فلهم مكاسبهم وعليهم ما يخسرون، وما يهمنا في هذا الاتفاق ألا نقع في فخ الانتظار والترقب من جديد. وبدل ذلك ننظر إلى مصالحنا ومستقبل أجيالنا العربية، وأن نمنع أي مخطط لإيجاد «شرطي للمنطقة»، فلا يمكن أن يقبل العرب في «مرحلة الحزم»، التي نعيشها وجود شرطي إيراني أو تركي أو إسرائيلي في منطقتنا، وهذا ما يجب أن يستوعبه الغرب، وهذا ما يجب أن نتمسك به كعرب. وبعد «عاصفة الحزم»، التي بدأت لردع «الحوثيين» من توسيع سيطرتهم على الأراضي والمؤسسات اليمنية بعد انقلابهم على الرئيس الشرعي، والتي جاءت لوضع حد لأطماع الإيرانيين في المنطقة، لا يزال سؤال وتساؤل يترددان.. والسؤال من المؤيدين لهذا الفعل، وهو: هل يستمر هذا الحماس العربي والتحالف العربي؟ وهل يمكن أن يتكرر في حماية الشعوب والدفاع عن الأراضي العربية؟ وهل يمكن أن يتجمع هذا التحالف مرات ومرات من أجل حماية الدول العربية من أي تهديد إرهابي داخلي أو أطماع توسعية خارجية؟ أما التساؤل، فيأتي من المتربصين، والمشككين، وهو: إلى متى يستمر هذا الحماس.. وكم قد يستمر؟ أسبوعاً.. شهراً.. شهرين أكثر من ذلك أو أقل؟ وهؤلاء المتربصون يراهنون بكل ما يملكون على أن هذه الحماسة العربية آنية، وأن القوة العربية المشتركة أيضاً تأتي لتنفيذ هدف محدد وبمجرد الانتهاء منه، فإن هذه القوة ستختفي وتذوب وسط الخلافات والاختلافات العربية - العربية. الحقيقة التي يشعر بها كل إنسان عربي اليوم هي أن هذه الصحوة العربية يجب أن تستمر وتتواصل، فمن الواضح أن العالم لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يحترم إلا الأقوياء، وعلى العرب أن يكونوا أقوياء، ويفرضوا وجودهم وكلمتهم على العالم، وأن يوقظوا الغارقين في سكرتهم وأحلامهم، ليدركوا أن هذه أمة عندما تستيقظ، وتشعر بالخطر فإنها لا تكون وديعة كما كانوا يرونها. قوة الأمة مطلب شعبي من المحيط إلى الخليج، ففي وقت أدارت فيها الأمور أجيال عربية فقدت ثقتها في أمتها ومستقبلها، جاء جيل جديد اليوم لا يقبل أن يستمر الضعف العربي، فشباب هذه الأمة يرفضون أن يرثوا إخفاقات وإحباطات الآباء، ويرون في أنفسهم عناصر قادرة على وضع هذه الأمة في مواقع أفضل بكثير مما هي عليه اليوم. منذ عام 2011، وما حدث من أحداث مهمة، أطلق عليها البعض في ذلك الحين «الربيع العربي» انقلبت المنطقة، وشهدت تقلبات دراماتيكية، وتغيرت تغييراً جذرياً، فسقطت قيادات عربية، وتمكنت قيادات عربية من الصمود والاستمرار. بلا شك أن مرحلة ما كان يسمى بالربيع كانت صعبة جداً على شعوب وأنظمة الشرق الأوسط، تمكنت المنطقة فيها من تغيير جلدها وتجديد أجزاء منها، فقد تغيرت الأنظمة التي كانت تعاني من مشاكل حقيقية، فكان سقوطها حتمياً. وأنظمة أخرى كانت تعاني من مشاكل، لكنها تداركت نفسها، وتمكنت من الإصلاح والتعديل بما يحافظ على بقائها، وإن لم يصل مستوى الرضا عنها إلى المستوى المطلوب من شعوبها، إلا أنها باقية، وهي تحاول أن تكون في مستوى التطلعات.. ورغم كل ما حملته السنوات الماضية من سلبيات وأخطار على المنطقة فإنها حملت شيئاً من الإيجابيات، ومنها أنها كشفت أن ما يحدث في المنطقة، والوضع الذي تعيشه شعوبها أصبح يتطلب قيادةً عربيةً مختلفةً، وطريقة جديدة للتعامل مع متطلبات المرحلة وأحداث العالم. "الحزم العربي".. كشف أننا أمة قادرة على الفعل والتأثير والتغيير، فما الذي يعيد العرب إلى مرحلة ما قبل الحزم التي كانت صعبة ومربكة بكل أشكالها وتفاصيلها؟ ومن يستطيع أن يرى المشهد كاملاً فإنه يدرك أن العرب على مفترق طرق صعب.