تعودت كلما مرت بي حالة من الهبوط والكآبة وانطفاء الرغبة في الإبداع، والعمل وممارسة هواياتي العديدة، وحتى الرغبة في الخروج من إطار البيت، وعدم الاستجابة لدعوات صديقاتي للخروج معهن إلى متنزه أو مطعم أو سوق، أردد لنفسي أن السبب يكمن في حالة الكآبة التي تجعلني أجلس وأتذكر أيامي وأحلامي ومشاريعي التي لم تتحقق. وكحال أغلب الناس أذهب إلى الأطباء النفسيين وأشرح لهم حالتي فيكدسون لي الأدوية المعروفة كمضادات للكآبة. لكني أتردد في تناولها لاعتقادي أنني أستطيع أن أعالج نفسي بالقراءة في كل كتب علم النفس المتراكمة في مكتبتي. ثم أبدأ في قراءة التحليل وخصائص الدماغ وكيفية السيطرة بالتمارين المقترحة في هذه الكتب، لكني سرعان ما أنسى اتباع النصائح وقدرة الدماغ البشري على تغيير مسار حياتنا. وبينما كنت أقلب الكتب وجدت كتاباً كنت مررت به عبوراً ولم أنتبه لعظمته وقوة تأثيره في نفسي، الكتاب هو «ومضات من فكر سمو الشيخ محمد بن راشد»، فبدأت قراءته بانتباه وتركيز أعلى. وشعرت قليلاً قليلًا بتحسن حالتي النفسية، واستيقظت في نفسي رغبة الإبداع والإصرار على تحقيق طموحاتي التي طمسها التأجيل. فعن التأجيل يقول سموّهُ: «السعادة شيء غير قابل للتأجيل.. اضرب كل يوم تأخير في تعداد شعبك لتعرف كم من السنوات تضيع في التأجيل». وإذا كانت هذه الحكمة صادرة من قائد إلى شعبه، فإنني سأحوّرها بتغيير بسيط لتتفق مع رغبتي: «إذا كان هدفي تحقيق السعادة لنفسي فإن السعادة غير قابلة للتأجيل.. فلو ضربت كل يوم في تعداد سنوات عمري لعرفت كم من السنوات ضاعت في التأجيل»! ولأن التأجيل أصبح عادة مضرة لمسيرة حياتي فقد وجدت في هذه الومضة المضيئة ما سوف يعينني على تجاوز كل عادة لا تفي بغايتي. يقول سموّه: «سألني أحدهم: كيف تكون مبدعاً؟ فقلت له: تعود على ألا تتعود!» يا الله! ما أجمل وأبدع هذه الجملة البسيطة في لغتها والعميقة في دلالتها وتأثيرها لمن يبرمج دماغه عليها حتى تتوغل في لاوعيه الباطن ويصبح منتبهاً لكل عادة سلبية تحكمه دون وعي منه. إن جوهر الومضات وقيمتها يكمن في أنها مجسدة على أرض الواقع وليست مجرد كلمات تنظيرية على ورق في كتاب منسي...