أسهبت كثيراً في كتابة الرواية الأولى التي ستصدر عما قريب، وبالحقيقة لم تكن التجربة هذه متفردة، فمنذ سنوات حاولت، ولكن آثرت التوقف، ومارست الضغط على نفسي حتى لا أنساق وراء الكتابة الرخيمة المملة أو التي تبدو هلامية لا نضج فيها، ولم أتريث بداعي الخوف من تشاكل الحالة الشعرية أو القصصية التي أدمنتها سنوات. ولكن الأجناس الأدبية تتشاكس فعلاً على صفحة الكتابة، فانتصرت الرواية أخيراً انتصاراً وجدته في معمل أقيم فيه كناسك. تعاقبت اللحظات عقيمة وصعبة، لكني أخلصت من أجلها كتجربة أولى ربما تجسد حالة أخرى ضمن الزخم الثقافي المتجدد أو حتى المتمرد على أجناس أدبية ظلت مكتظة بالرأس لزمن طويل، وحان الآن وقت إبعادها قليلا عن المسارات اليومية حتى تسكن في معاقلها أو تخفق حتى يحين مشروعها فتنهض. قبل أربع سنوات عنونتها «الصعود إلى السماء»، أو هذا ما يراود أبطال الرواية دون الإحساس الفعلي بيقظة الصعود، فمارس النص عليهم فعل السفر والصعود، وهم أسماء شاخصة في أماكن متفاوتة من العالم، ربما كانوا متقاربين أو متباعدين، أو هكذا كتب لهم الزمن الصاعد بهم إلى ملكوت السماء فكرياً أو جسدياً، فسائر المخلوقات تبحث عن هذا الصعود عبر الزمن وليس عبر المسافة.. الأرض نفسها يراودها الصعود إلى السماء لتقتل الفراغ المستفحل. سائر مفردات الحياة تبحث عن الصعود إلى أقرب مستوى، بسبب الاكتظاظ المتوارث، أو تأثراً بالديانات التي تخاطب العقول النيرة من أجل أن تبتكر طريقاً لما بعد الحياة، إشارة إلى صعود الزمن وسموه إلى أعلى رغم احتدام الجاذبية. جوهر الفكرة لا يخلو من شخوص متأزمة فكريا وثقافيا وعاطفيا، فالزمان والمكان يتعاكسان أحيانا من خلال اجترار الذكريات، ولا تخلو الرواية أيضا من الفكر المبطن أكان آيديولوجياً أو أصولياً، فالصورة الروائية تكشف هذا النسيج وتدفع به.. فيتضح أن ما يجري على الأرض سببه الصعود الفكري إلى السماء، ما يفضي إلى أن الحياة أشبه بالمسرح، لكن الإخراج لا يكتمل ولوحة الحياة تظل ماثلة في حراكها، والنهاية في حلم الصعود ولحظة النهوض من رتابة المكان إلى حالة مفقودة، وهي حالة فلسفية ليست بعيدة عن الفكر الإنساني.