المتأمل في حال الأمة العربية وأبنائها لا يرى غير أفق مسدود. ومن يسأل الشباب يجدهم بين حائر يبحث عن مستقبله، أو متعصب لفكرة، أو موقف أو مذهب..لم يكن العرب بهذه الصورة، ولم يكن شبابنا وبناتنا منغلقين على أنفسهم، وأسرى لمعتقدات محددة..في «الاتحاد» نحاول أن نقرأ القضايا المهمة بعمق وموضوعية وبمهنية صحفية..أحد خيوط تتبعنا لهذا الموضوع أوصلنا إلى الإعلام، وإلى الفضائيات الدينية بالتحديد. وبعد متابعة وتحليل مضمون تلك الفضائيات وجدنا مدى تأثيرها في الإنسان العربي...وما كان يهمنا في الموضوع، هو البحث عن مدى تأثيرها في السلوك الشخصي للشباب، ومستقبلهم باتخاذهم القرارات المهمة في حياتهم، وتأثيرها في نشر العنف، وبعث الطائفية والمذهبية..فكانت النتائج مذهلة.. ولا نخص الفضائيات الإسلامية أو السنية فقط، فكل فضائية تتكلم باسم الدين يجب أن تكون تحت مجهر التحليل والتقييم. ملف «فضائيات الفتنة»، الذي بين أيديكم، يسلط الضوء على الفضائيات الدينية، ويكشف تأثيرها الكبير في نشر التطرّف والفتنة والعنف، ويكشف أن أحد أسباب الإرهاب الذي نعيشه اليوم في العالم العربي هو تلك الفضائيات التي وصلت الجرأة ببعضها إلى الدعوة لقتل من تختلف معهم على الهواء مباشرة، ورغم ذلك لم تتم محاسبة هذه الفضائية، ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضدها، وهي مستمرة في بثها وكأنها لم تفعل شيئاً، وهذا ليس بالغريب، ولا يفترض أن يشكل استغراباً، وخصوصاً إذا ما أدركنا أن كل أخواتها من الفضائيات الدينية تدعو إلى ذلك، ولكن بطرق أخرى وبشكل غير مباشر.. نضع بين أيدي القراء والمسؤولين هذا الملف، الذي جاء بعد جهد استمر لأشهر عدة، ويضم أمثلة حية على سلوك تلك الفضائيات، ويكشف حجم الأموال التي تصل لمئات الملايين، والتي تصرف على تشغيل تلك القنوات الفضائية التي يحقق بعضها مردوداً مالياً وأرباحاً، وكثير منها «دكاكين» تبث سمومها وخزعبلاتها دون رقيب أو حسيب. واللافت أن المشتغلين في تلك الفضائيات ليسوا علماء أو رجال علم حقيقيين ليصدروا الفتاوى ويخاطبوا ملايين المشاهدين، كما أن القائمين عليها ليسوا إعلاميين، فهم بلا دراية ولا خبرة بالإعلام اليوم! ونشير في هذا الملف إلى بعض أعمال تلك الفضائيات لتأكيد وتوضيح ما يحدث فيها. تلك الفضائيات هي خلطة مشوهة من الإعلام والدين أنتجت خطاباً في أغلبه يدعو إلى الفتنة والعنف والإرهاب، لذا فإذا ما أردنا محاربة الإرهاب، فعلينا أن ندرك أن جزءاً من عملنا ينبغي أن يكون في مكافحة هذه الفضائيات، وإيقاف ومحاسبة المسيئة منها، وتنظيم عمل الأخرى تحت إشراف لجان شرعية معتمدة من قبل الأزهر، أو غيره من المؤسسات الدينية، وتنظيم واختيار من يظهرون على تلك الفضائيات بدقة، وقبل كل ذلك تحويل الفضائيات المجازة إلى قنوات مشفرة لا يصل إليها إلا المهتمون، بالإضافة إلى خطوات أخرى تحد من تأثيرات هذه الفضائيات السلبية تحدث عنها المشاركون في هذا الملف..