نكتب لنحلم، ونحلم لتتسع حدقة الحياة، والحياة مثل طائر يقف على بعد أقدام منا، فإما أن نباغته ونمسك بتلابيبه وإما أن يفر ونبقى نحن نحدق تحت في الأجنحة المرفرفة والنجوم من فوقنا تصفق للطير كونه أفلت من أيدٍ تعرقت بفعل الحماقة.. الحمقى هم فقط الذين يظنون أنهم امتلكوا زمام الحياة، وصفقوا الأبواب على الحقيقة وباتت ملك أيديهم.. الحمقى هم يعتقدون أن للحياة لوناً واحداً ووجهاً واحداً، وعقلاً واحداً وقلباً واحداً، ولذلك فهم يصابون بالصدمة الحضارية عندما يخالفهم الآخر، فيضربون وجوههم ويلطمون خدودهم، ويتأففون ويتذمرون ويتبرمون ويقذفون بالحجارة، على ظل الشمس كونه صار قبعة رؤوس المطمئنين.. الحمقى هم الذين يحزنهم أن يجدوا مكاناً في العالم، تجتمع فيه الطيور على مائدة عشبية، تغرد بحرية دون قلق أو أرق، أو حنق أو غرق في فنجان قهوة، الحمقى هم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولذلك يهرطقون ويتورمون وينتفخون حتى يصيروا مثل البالونات المحتقنة بأكسيد الكربون. الحمقى هم الذين يتفجرون غيظاً وكمداً عندما يشعرون بوحدة العالم، واتحاده على كلمة سواء لأنهم يرون في وحدة العالم ضيماً وظلماً «لأناهم» المتقيحة لأنهم يرون أن استفرادهم في الرأي وتحكمهم بالرؤية كمذاق السكر في فم نملة جائعة.. الحمقى هم الذين يساورهم الظن اطمئنان الأوطان انتهاء لحياتهم، وكلما زاد القلق في العالم، كلما اطمئن الحمقى واستتبت مصائرهم، فهم الشيطان بدمه ولحمه، بفكره وغايته بسلوكه وشيمته.. الحمقى هم الذين أساؤوا للدين تحت أغلفة سميكة من الشعارات والبهارات والتيارات والنهايات والبدايات.. الحمقى يصبحون سادة العالم عندما يعجز العالم عن كتابة قصيدة للحياة تفشل جل المشاريع الجهنمية لكل غاضب وغاصب، ومحتد وأثيم وكل حاقد وفاقد للوعي، ومعتد لئيم. الحياة قصيدة، كامنة في الروح، فمن يكتبها يسجل ميلاد حياة للناس أجمعين.