الجلوس في حضرة وجوه معقوفة على شاشات أصغر من كف اليد، يشعرك بالأذى، ويسرب إلى نفسك إشعاعات سامة، ويدخلك في دوامة الارتباك والضيق، لأن البعض أصبح عبداً مملوكاً لشيء اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، لا يملك حريته ولا إرادته ولا حتى مشاعره، فترى الوجوه مغموسة في ضحكات بلهاء ساذجة، لا معنى لها، ولا لون ولا رائحة، لأن العقل الذي ذهب في ظلمات الوعي بات مثلوماً مثل زجاجة قديمة ملقاة على قارعة طريق. عادات وقيم وأخلاق وأفكار وثقافة تغيرت بفعل هذا الابتلاء العظيم، بشيء يسمى «الإنترنت»، لأن البعض أساء الاستخدام، وأساء الفهم، وأساء الاستيعاب، وصار لا يعرف عن الإنترنت سوى البحث عن مواقع الضحك، النكات والسلوكيات التي لا تليق إلا بأطفال ما قبل العصر الحجري. الإنترنت عالم مضيء ومشع، تخرج من ثناياه وطياته عوالم وفضاءات رحبة وسخية بالمعلومات، الإنترنت، اختراع مذهل، يقرب البعيد، ويسهل الصعب، ويسلط الضوء على ثقافة موسوعية مدهشة، ولكن البعض يصر على أن يتفه هذا الإبداع البشري، ومصمم على تحويل الأشياء البحثية إلى أشياء رخيصة نجسة وبلا معنى، البعض يقتل وقته، بل ينحره بمثل هذه السلوكيات، مستغرقاً في الضحك، ولا يكتفي بذلك، بل ويصر على تصميم هذه الظاهرة السيئة، لتصبح المعلومة التافهة مشاعة، وتدخل كل بيت، كما تلج كل عقل، البعض لا يشعر بالسعادة إلا عندما ينثر هذه الإشعاعات السامة في كل مكان، فيطلب من الأصدقاء والأقرباء أن يتابعوا ما يتابعه، وأن يشاهدوا ما يشاهده، وأن يكونوا على أتم الاستعداد لفتح تلك المواقع التي تبث الغث وتترك السمين. البعض مسرور بهذا الاختراع، لأنه لقي ضالته، وقبض على مربط التفاهم، وما عاد يشعر بالضيق، نظراً لأوقاته المديدة التي يقضيها في حضرة الفراغ المريع.. البعض يشكر مخترع الإنترنت لأنه ملأ فراغه الذي كان يسطوه الوهم، وأحلام ما قبل النوم.. نقول الإنترنت اختراع عظيم، وعلينا ألا نسيء استخدامه.