ناديتها: هبّي لقلبي. فلقد توالت فوق أيامي غيوم السأم، ولم يأتِ بعدُ فرج اقترابنا. بيني وبينكِ جسرٌ من الأحلام عبرناه مراراً بأرواحنا لكننا لم نصلُ بعدُ، وبيني وبينك أسوارُ نهي وحراسٌ وجدران وصايا لا تنتهي. حمل النسرُ رسائلي دهراً، لكنهم رشقوه بسهام غيرة مرّة. وحملت المراكبُ جيوش أشواقي، لكن العواصف غمغمت في دورانها وتكسرت موجتي فوق شواطئ نائية. لم أترك في الليل نجماً إلا وأودعته سر انتظاركِ، لكنهم حجبوا المدى حتى بدى الفجرُ وعداً قد يجيء ولا يجيء. وهذا الحنينُ وقد فاضَ على شكل دمعٍ في الأنين. وهذه لغتي بكماءُ ينخرها الصمتُ ولساني مهملٌ وقافيتي عدم. فهيّا، هبّي لقلبي جرساً يوقظ المسرة وينثر في غفلتي شعلةً أحيا بها لأعبر مسافة الخوف، غير مكترثٍ لو حاصرني الزمان بأعداء يجرّمون الحب، وبجهّال أعلنوا العشق خطيئة كبرى ووقفوا في الساحات يمدحون الموت ويعيثون طعناً في جمال الحياة. ناديتها: خذي بيدي. فلقد تعلقتُ من قبل في أغصان كثيرة، لكنها تكسرت يوم ارتفع الطوفان. ورأيتُ أشباهي، وهم كثرُ، مجروفين في التيار لأنكِ بعدُ لم تدخلي في أحلامهم. وأنا، لو طلتُ يوماً خصلةً من شعرك الطويل، فهي حبل نجاة. ولو لامست أصابعي أطراف طيفكِ، ينبت لي جناحان وأكتسي بريش الخلاص، وحينها تكون الغيمة ملاذنا وقت نشاء، سابحان في بحرٍ من الضوء والأرضُ تحت عبورنا بقايا ندم للحاسدين. ناديتها: يا البداية، يا سرج المسافة. ركضتُ أسابق الفرسان نحو الحقيقة وهي تنأى. جميعهم وقفوا عند خط النهاية ولاذوا فرحين بالنصرِ على ظلالهم، لكنني لا زلتُ أسعى لمعانقة الشمس وهي بالكاد تشبه ظلكِ، والطريق الى عيونكِ هي خطوتي الأولى وغاية رؤاي، والدخول الى فضاء روحكِ هو ما يمنحُ الوجود معناه. بين البداية والنهاية عمرٌ سوف أسلكه حتى لو تشققت الدروبُ، أو تفتحت الجروف في طريق صعودي نحو مجدكِ. وحين يكتمل وصولي عند قدميكِ، تصيرين تاجاً، وأنا على عرش الخلود رمزاً لمن قهر الوهن وفاز باللحظة التي يكتمل فيها الزمن كله. ناديتها: تعالي سببا كي يستوي الميزان. أنا وأنتِ في كفٍ، وهذا الوجود في كف. ولو تعانقنا على مرأىً من الدنيا، تضج المعاني وتخرج من يأسها لتشعل بيننا العرسُ، ويصير الكون ترنيمة مستمرة في نشيد أبدي.