انهضي يا أمي اليوم عيدك وعيد كل الأمهات، رغم أن وجودك كان عيداً في كل يوم وعام. كل يوم حين أستيقظ، وأراك بجانبي هو عيد لي يا أمي، فكيف أستيقظ منذ عام ولم تشرق على أيامي شمس نورك وترديد ما حفظت من قصائد الأولين؟ انهضي يا أمي. كفاك نوما في التراب وأنت التي لا تحبين ذرة غبار في (شيلتك وكندورتك)! اتذكرين كيف تجبرينني على نفض ملابسك قبل أن توافقي على لبسها؟ ولا تكتفين بتأكيدي لك أنني غسلتها وكويتها، وأنت ترين أنها مكوية ومطوية جيداً لكنك وسواسية يا أمي. هكذا أقول لك فتبتسمين وتصرين على نفضها وتشمينها لكي تتأكدي أنها خالية من رائحة الغبار. فكيف رضيت بالتراب يا أمي!؟ انهضي لأرشك بعطر العود والعنبر الذي تحتفظين به دائمة وتنتقدين عطورنا الحديثة وترددين (ما فيها ريحة زينة.. اللا يقصون عليكم.. ريحة دهن العود والعنبر والمسك هي العطور الزينة) وها هي عطورك ما زالت على طاولة مرآتك يا أمي. وها ملابسك المطرزة بالزري تبث رائحة عطرك في خزانة ملابسك. لم احتمل توزيعها وحتى خزنها في الحقائب. كنت لا ترضين إلا بأجمل الملابس وأرقها وأنظفها. فكيف رضيت بالكفن الأبيض الخالي من كل نقش وتطريز رغم العطور التي رش بها؟ انهضي يا أمي فأنا وحيدة في بيتك الذي لم يعد حضناً حانياً لي بعد حضنك. انهضي وهدهديني بكلماتك العذبة كلما استشعرت الوحشة وأقلقني الزمان وشطت بي الحياة: (حبيتج يا بنيتي محبة الأهل والأغنى، ومحبة الضنى ما دونها دون/ حبيتج يا بنيتي محبة تدعي الملح شكر، وتدعي عويدات الثمام قرون) فأرتخي وأنام وأحلم أنني نائمة في فيض حضنك المكتنز بالمحبة والرأفة والحنان. انهضي يا أمي كفاك موتاً وكفاني وحشة وحزنا.. انهضي فقد استوفى الموت دينه منك ومني. استيقظي فالنوم الطويل لا يليق بك فقد تعودت اليقظة حين النهار يشرق بحضورك، وتعودت التيقظ الدائم حين كنا صغاراً في المهد. انهضي يا أمي واهتفي معي في هذا الزمن الذي أصبح الموت فيه يصول ويجول دون اكتراث لحزن أم وفقد ولد: (نحن الأمهات لا نريد الحروب والدمار والقتل/ نريد ناراً للرغيف وطلقاً بهيجاً للولادة)!