نسعى إلى مصر ونتوجها بأكاليل الزهو والافتخار، فقط لأنها مصر، ولأنها القارة الممتدة من الوريد حتى الوريد، ولا مكان لغير مصر لأنها القدرة الفائقة على احتلال المشاعر الإنسانية وغسلها من عذوبة النيل ثم وضعها عند القمم الشم.. نسعى إلى مصر لأنها المساحة الخضراء في الوجدان العربي، ولأنها الشجرة المثمرة التي واجهت حنق الآخرين بالحب وقابلت حقد الأولين بالعفو عند المقدرة.. نسعى إلى مصر التي عشقت يوسف عليه السلام وجللته بالمحبة ومكنته من بسط الباع والذراع على خير أرض في الوجود. نسعى إلى مصر لأنها هبة النيل وبنت الهرم الأكبر، ولأنها أنتجت محفوظ والعقاد وطه حسين وكوكبة من مبدعي الأمة، وهي الحبلى في الإنتاج وهي النهر الذي لا ينفد وإنْ نضبت روافد العالمين، تبقى مصر ولاّدة الفكر وسجادة البحرين، الأحمر والأبيض، وما بينهما قناة الوصل الحضاري التي أسستها مصر منذ إغريق اليونان وبابل العراق.. نسعى إلى مصر لأنها قِبلة الحلم العربي وقبلة مشرقه ومغربه، ولأنها ساحة الوصل ومساق التواصل. نسعى إلى مصر وفي عيوننا بريق النهار القاهري وعند جباهنا مجد الذين أناروا الطريق كي تمضي سفينة الوعي باتجاه عروبة تغمس رغيفها في شهد الإنسانية ثم تعلو وتتجلى وترسم الصورة المثلى للوطن الذي لا يخب بعيره ولا يكبو جواده، وإنما الركاب تسير ناحية المستقبل محملة بأشواق عشاق ما استهانوا ولا استكانوا ولا توانوا عن بسط نفوذ الحقيقة كي يسقط الباطل وتزهق أصواته. نسعى إلى مصر لأنها القلب في الجسد، نبضاته عقارب الساعة التي تفرد أشرعة سفننا ونحن نصبو إلى وشوشة الموجة ومعانقة سواحل الانتصار على كل بغيض حاقد جبار.. نسعى إلى مصر لأننا على يقين بأن مصر كنوارس البحر لا تضبطها إلا سواحل العروبة بملحها وكدحها ورجاحة الصحراء.. نسعى إلى مصر لأجل مصر، لأجلنا، لأجل إنسانية تعمل بالقسطاس ولا تدع الميزان يميل إلى من عنده غليل.. نسعى إلى مصر لأن في ميمها محبة وفي صادها صبر وفي رائها رؤية المستقبل.. نسعى إلى مصر وتسعى إلينا والقاسم المشترك وحده الدم والتاريخ والمصير المشترك.