علمنا والدانا أن نحترم كل من تراه أعيننا، فنلقي التحية عليهم، فلا يكون لوضعهم الاجتماعي أو منصبهم الإداري ما يغير أخلاقنا، فيقال عنا «قوم ترنا»! لذا كان علينا إلقاء التحية المعيارية باحترام وأصول. وأذكر في أيام المراهقة أن زرت جدتي، وتحايلت على هذه العادة إذ تظاهرت بالانشغال بالمسجل الذي كان يحتوي على شريط كاسيت لمطرب تعكس أغانيه شجن ووجد المُحب، خفت أن تعلكه المسجل، وفجأة سمعت الرعد ،ورأيت البرق والسماء صافية، إذ جاء صوت جدتي الهادئة بزجرة عظيمة وما فهمته من تلك الزوبعة قولها: «عجب ما تستحين أنت داخله على أوادم وإلا على....؟»، فانكمشت كما القواقع، وقلت بصوت متناقص: «سامحيني يدوه تحريتك محد». فنظرت إليّ بنظرة فصلت بين جيلين، وقالت: «عيل انت ياية هنية عند منوه؟ تذكري يوم في نيتك التجاهل أن تتجاهلين ثلاث شايات: سمعت، وقالوا، ويقولون! إلا السلام تراه لوجه الله عز وجل». فجعلتني «عقب الهزبة» أطلع من الحجرة، وأعيد المشهد مرة ثانية، فدخلت وسلمت ويلست على الطراحة فقالت: «نعم جية نباكم تعرفون السنع، ما نبا الناس ينتقدونا ويتحرونا ما نعرف نربي». لم أجبها فالدرس كان واضحاً ومهماً، وقد قلب مفاهيم أسلوب الحياة، ولكني سرت في حرجٍ جعلني أعابل المسجل اللي ما كانت تعلك الأشرطة أصلاً». ومنذ تلك السنين، ونحن نُحيك شرنقة حول تلك المفاهيم، ونستذكر تلك المواقف فنلوذ إليها خوفاً عليها وخوفاً من الغريب والعجيب؛ هي هويتنا المستدامة وتعكس بيئة نشأتنا، لذلك نرحب بالمتسوق السري ونتعامل معه بتلقائية، بينما يحسب الآخرون له حساب، فهناك من يتلوّن متأثراً بمخارج صورته والأجراس التي يقرعها حوله المطبلون؛ هؤلاء يكاد أن يبلغ حجمهم حجم تلك التلال والأمواج التي تحداها الآباء والأجداد. وأتساءل ترى من هُم هؤلاء؟ للعارفين أقول، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: «إن تحية أهل الجنة هي «سلام»، لأنها أكبر نعمة أن تعيش في سلام وأمن... وأنك حين ترد التحية بأحسن منها تخبر الذي بداك بالسلام بأن عمل الخير يأتيك بخيرٍ أكثر فتشجعه على عمل الخير». السلام والأمن والأمان متوافرٌ ومتاح بفضلٍ من الله والقيادة الرشيدة حتى أصبحت بلادنا نبراساً للسعادة، فلا بد من الحمد والشكر والالتزام بالأخلاقيات التي تعكس الحب والولاء والانتماء.