أدعو دائماً إلى أهمية أن نرى الأمور من الجانب الذي يمكننا السيطرة عليه حتى لو كان سيئاً كالظلم، وأجد أنه من الضروري الإشارة إلى أن التعرض لعدم الإنصاف أو الظلم من الآخرين لا يعود دائما لأنهم ظالمون فقط، ففي الأساس نحن من نظلم أنفسنا بوضعها في مكان يجعل الآخرين يذهبون بنا إلى هذه المرحلة. ومن أشكال عدم الإنصاف مع النفس سوء تقدير ذواتنا، إما بالاعتقاد بأننا أكثر مما نحن فيه، فنعيش الوهم ونعامل الآخرين أنهم ظلمونا لأنهم لم يقدرونا كما نعتقد أو بدرجة أقل مما نستحق. يتندر عليّ أصدقائي كوني أميل منذ فترة إلى الحديث عن الحيوانات والحشرات في تقريب بعض أفكاري، وهذا أمر حقيقي، كون غرائب هذه المخلوقات في سلوكها وتعاملها مع بيئتها موردا ملهما وغير منته، ومتوافر باستمرار خصوصاً إذا كنت تعمل في مجلة ناشيونال جيوغرافيك. وجدتني مؤخراً أشير إلى تجربة مثيرة عن تكيّف الضفدع مع محيطه، وذلك أثناء حديثي عن وهم الإنسان بنفسه، واعتقاده بقدراته وتقييمه المستحق فعلاً لإمكاناته، ومتى يقدر نفسه وكيف، وتقديره لساعة الحسم التي عليه أن يتحرك فيها بحزم في حياته قبل أن تجرفه الظروف لغير ما أراد لنفسه. يمكنكم أن تجدوا التجربة عبر قناة يوتيوب، وفيها يوضع ضفدع في وعاء معدني صغير يعرض لحرارة النار، ورغم عدم عمق الإناء إلا أن الضفدع لا يقفز خارجه بل يبقى فيه، وكون الضفدع من الكائنات المعروفة بقدرتها العالية على التكيف مع بيئتها، فإنه يبقى في الإناء رغم ارتفاع درجة الحرارة، وكلما ارتفعت الحرارة وجه الضفدع طاقته للتكيف مع البيئة الجديدة، إلى أن يصل الماء إلى درجة الغليان، وقتها يقرر الضفدع القفز، غير أن طاقته تخذله، ليلقى حتفه في الماء المغلي وفي إناء صغير كان من السهل منذ البداية أن يقفز خارجه وينجى بحياته. نتعرض طوال الوقت لنصائح من قبيل، تحمل، أصبر، رغم عدم مناسبة تلك التوجيهات لأوضاع بعينها، نصائح تستنفد الطاقة والجهد، الذي يذهب سدى في محاولة التأقلم مع أوضاع لا أمل في تغييرها، ولذا يبقى الأمل الوحيد في تغير ذلك وهو فعل حاسم يحتاج طاقة تمكن صاحبها القفز خارج الإناء، فالحياة أكبر بكثير.. من مجرد إناء.