- عجيبون شعوب شرق آسيا بعد وجبة الغداء، تراهم وهم ما يزالون على طاولات طعامهم، واللقمة في الفم، والعين تدمع، ويتهامل ماؤها البارد، تستدعي حلماً بفراش تسكنه البرودة، ومخدة رطبة من ليونتها، وتجد الواحد منهم بعد تلك الوجبة المخاطية، وقد افتر ثغره عن تلك الابتسامة الماكرة التي يجلبها نوم القايلة، لذا لا عجب أن تراهم في بلدانهم وهم معلقون في الشجر أو تحت الجسور بتلك المنامة التي تشبه شاطوحة الأطفال، أما عندنا فيكتفون بذلك التثاؤب المستمر، والذي يشبه تثاؤب أسد بعد طرح طريدته في بطنه، خاصة إذا ما كان المكيف يضرب باتجاهه وحده، ووالله ساعتها لو أنك ابن عم آسيوي خليص، ونصيته، وانتخيته، ما ثابك! - بصراحة.. يوم أتذكر في السبعين لما فتح «ومبي» أول مرة في شارع حمدان، وعرفنا أول مرة الهمبرغر، بتركيبته «بيض ولحم وجبن وبطاطا وخبر مدور بالسمسم»، أسمينا فرحنا وايد، وبعضنا من إخلاصه لحلمه به طوال الليل، يصبّح عند «ومبي»، وهو بعد ما فتح، ونتواصى، ويوم نروح العين نخبر ربعنا عن أكل ما قد عرفناه، بس طيّب، وأيوون وايدين عَبّريه، وخصوصي علشان يأكلون «ذبيحة الإنجليز»، اللي عليها «علي ولّم» مقلاي، غير نامونه، وتقول يخلون شيئاً في ذلك الصحن، يموصونه بكاتشب، هيه الكاتشب في ذيك السنين عجبة، بس.. تقولي ما فرحنا هذاك الأيام، يا الله، أصلاً نص هالغزوز من ربى ذاك الوقت! - ترافقت مع صديقين تركي وفلبيني في سفرة، وشغلا رأسي من كثرة التفكير في المقارنة بينهما، واستنتجت من تلك الرحلة أنه لا يتساوى الفلبيني مع التركي بأي حال من الأحوال، ولو عملنا شيئاً من المقاربة بينهما، ستظهر الفروق المتباينة، الفلبيني يقبل الأشياء بأريحية، وبشهادة، وتدريب، والآخر رأسه يابس، وما عليه، ولو تشوفهم حينما يجلسان في المقهى، التركي شنبات، وقمصان رجولية، بنية، مخططة، والفلبيني جاي بنعال زنوبه بلاستيك، وهاف يظهر الركبة، ومصيف بدري، التركي مرفوق عليه يظهر ركبته أمام الغُرب، التركي يهفّ مشاوي لحم، ومرضام خبز، والفلبيني أشياء مقلاّيه، ويحسو بطبق من الحساء، التركي يتم يبرم شواربه، تقول يتعود جارية من السبي، والفلبيني الشنب طاير، وسلاسل، ويريد أن يهاجر مع أحد البحارة الأمريكان، التركي يعمل في معامل الحديد، والخرسانة، والفلبيني في تصميم أشياء خفيفة للنساء، وما يفرح الليل، التركي لو تقول له نص الليل بنرقى جبلاً، لسابقك، وغلبك، الفلبيني:«أيم تايرد سير»!