تقترب الطائرة من مطار الخرطوم. وكعادتي أردت أن أطل من شباكها لأرى المشهد. لكن المسافر الذي يجلس قريباً من الشباك كان يغطيه برأسه. فطلبت منه أن يزيح رأسه قليلاً، فابتعد ورأيت مشهداً فاتنا ومدهشاً.. رأيت أرض السودان خضراء، يطوقها نهران (النيل الأزرق والنيل الأبيض) كذراعي أم حانية تحتوي الأرض وسكانها. كان في استقبالي الشاعر الجميل عالم عباس محمد نور بابتسامة أرق من ندى النيل. هذه الابتسامة الاحتفائية رأيتها على وجوه السودانيين، نساء ورجالاً، مثقفين أو عاملين في مختلف المهن، حتى النادل ونحن في انتظار وصول الوفود الأخرى. في الطريق إلى الفندق، كنت أحدق من شباك السيارة وهي تعبر الطرقات لتقفز الدهشة مرة أخرى أكثر حيرة، وينطوي السؤال الصعب، طوال أيام ملتقى جائزة الروائي الطيب صالح في دورتها الخامسة. كان مشهد المدينة لا يشي بكنوز الثراء الذي وهبته الطبيعة لهذه الأرض التي يسكنها بشر يفيضون بالرقة والجمال والرحابة واللطف والحفاوة والكرم. وجوه تفيض بابتسامة ساحرة، وقلوب تتسع وتحتوي وتفيض بالمحبة والترحيب النادر الذي لم أشاهده في كل المناسبات التي دعيت إليها في شتى الأقطار العربية والأوروبية. الفندق الذي استُضفنا فيه كان غاية في الجمال الهندسي خارجاً وداخلاً. لكن التناقض بينه وبين الأبنية الأخرى وكثير من الطرقات تثير السؤال الصعب وأكبته في انتظار الجواب! السودانيون الذين التقيت بهم بتعدد مواقعهم ووظائفهم مكتنزون بالثقافة والشاعرية العربية منذ جذورها، والثقافة العالمية بتواريخها وتطوراتها الثقافية. حتى إن حارس المبنى الذي دعينا فيه للعشاء أوقفني، وتبادلنا قراءة الشعر! ونادل مطعم الفندق قال لي إنه يحب الشعر ويكتبه، وطلب مني بعض قصائدي. أما مشهد الحضور في القاعات التي تم فيها افتتاح الملتقى وفعالياته فكان مذهلاً في كثافته على مدار أيام الملتقى ولم أشاهد تسرباً من القاعات أثناء الأمسية الشعرية كما يحدث في كثير من المناسبات الأدبية والثقافية التي شاركت فيها في الكثير من الدول العربية. فتحيةً إلى السودان المكتنز بثراء الطبيعة. وألف تحية لشعبهِ المكتنز بثراء الثقافات والشاعرية والابتسامة الساحرة. أما السؤال الصعب فجوابه يكمن في مستقبل سيصوغونه بقدراتهم العظيمة!