الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، الحب والكره، بعضا من الثنائيات غير المحدودة التي لا تكتمل الحياة إلا بها. غير أن بعض فصول الحياة لا تقدم هذه الثنائيات، فيحدث على سبيل المثال مشهد إنساني طويل إلى حد ما، لا يظهر فيه إلا ذلك الشكل القاتم للحياة كالشر والرذيلة والكره.. وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الشكل يحتوي على درجات قاتمة وأخرى أقل قتامة! نعم هذا يحدث، فالحياة لا توجد الثنائية في كل وقت ولا في الوقت الواحد باستمرار، فقد تستمر تلك القتامة لعقود طويلة. ورغم قناعتنا بذلك إلا أن البعض يرفضه، ويطالب بهذه الثنائية بمثالية أقرب للسذاجة، كأن يقول، لا يجوز.. الكل شرير، أين الطيب؟ أو على سبيل المثال، الجميع يمارس الرذيلة.. أين أهل الفضيلة؟ حسنا.. الواقع ليس بهذه المثالية التي نرغبها، وبالتالي الأدب الذي يقوم في كثير من الأحيان بتصوير الواقع لا يجب عليه أن يكون كذلك، في رأيي أنه يجب أن يكون على النقيض تماما من توقعاتنا البائسة المغرقة في مثالية غير حقيقية وليست ممكنة التحقق، إلا في حالات نادرة جدا عندما يكون طالبها يمتلك قوة يحصد بها الخير، وهو ما لا يتم الإشارة له في الكثير من الأحيان. على سبيل المثال، ترعرعنا في ظل إبداع أدبي كان يرقي من القيم المثالية، والنهاية السعيدة، والحق الذي يجب أن يسترده أصحابه، وغيرها من أشكال النهايات المثالية سواء في أعمال مكتوبة أو مرئية. هذا النوع من الأعمال لم يعد يجدي في الوقت الراهن، إذ أنه ليس سوى تمنيات ساذجة للمتواكلين الذين يفتقدون كل أسباب القوة التي يمكن أن تأتي لهم بنصر أو تفوق. تنبه الكثير من الكتاب والأدباء لهذا الوهم الذي نعيشه، أو لعلهم ملوا الاشتعال بأعمال لا تجدي سوى المزيد من الخنوع والوهن، فظهرت أعمال تصور الواقع في أحيان كثيرة بأسوأ مما نعرفه وأشد قتامة. أتفق تماما مع هذا.. إذ كيف نتوقع للإبداع أن يحدث فينا تأثيراً حقيقاً إذا لم يصدمنا، ويقدم لنا نماذج لم نتوقعها، نماذج متطرفة في الشر والرذيلة والكره، نماذج تجعلنا نرى إلى أي درجة أن هناك قبحاً وخراباً قد يكون قريباً منا.. بل وأقرب مما نتصور.