«الأشياء ليست كما تبدو. ما تراه أنت ليس بالضرورة هو ما أراه أنا. الحياة هي انعكاس رؤيتنا نحن وليس وصفاً لما هي عليه فعلاً»؛ سواء كنت ممن رأوه بالأزرق والأسود أو ممن رأوه بالأبيض والذهبي، جاءت قصة الفستان التي شغلت العالم طوال الأيام الفائتة لترسخ هذه الحكمة. وهي ليست بالقصة التافهة كما يراها البعض في خضم الأحداث الدامية القاتمة، فكل تلك الأحداث، في الجوهر، مردها لأن فريقاً رأى الحقيقة بلون وفريقاً آخر رآها بلون مختلف، ولو اتفقت البصيرة البشرية على أن البصر ليس حَكماً نهائياً لما صارت الصورة دامية كلياً بلون أحمر قانٍ ولما صارت زوايا كثيرة من العالم سوداء معتمة يحكمها الجهل والظلام والوحشة في غياب الأُنس الإنساني المُحتفي بالحياة. في قصة الفستان رأيت أشخاصاً يتشنجون في محاولة إثبات أن ما يروه هم هو الحقيقة وغيرهم مضلل أو واهم أو مخادع، فصار ثأراً شخصياً وإهانة موجه لذواتهم وجب ردها بالمزيد من الإقناع والإصرار والتشبث بأن لون الفستان كما يروه هم ومن عداهم أعمى لا يرى الحقيقة وعليهم تبصيره وتنويره ولو بفقء عينيه الضالتين. ورأيت أشخاصاً يغيرون رأيهم تحت الإلحاح، ويقولون إنهم صاروا يرونه كما يراه الآخرون حولهم، فبالبقاء مع المجموع هويتهم ورضا الأغلبية احتياجهم، واختلافهم بدا لهم مشيناً أرادوا إخفاءه وخنقه ليشبهوا غيرهم في الظاهر وإن على حساب ذواتهم الأصلية، وما إن انتقلوا لفريق آخر رجحت فيه كفة اللون الآخر حتى أرادوا الرجوع لما رأوه ابتداء فصار رمادياً بعد أن خانوا البصيرة فبهت البصر. وهكذا تضيع هويات فردية كان ممكن أن تكون مبدعة في الرؤية لو لم يقمعها ضغط المجموع. قصة الفستان تقول «لا بأس». لا بأس إن اختلفت في رؤيتك للأشياء واحترمت رؤية غيرك المختلفة لنفس الأشياء. الحياة ليست ملك عين فرد. هي ملك كل العيون، ولكل عين حرية أن تراها كما تراها دون خوف من الطرد من قطيع الأزرق أو أسراب الأبيض. قصة لون الفستان تقول إن اللون في رأسك أنت، إن حياتك هي انعكاس لما أنت عليه. إن الحقيقة في النهاية نسبية. وإن الفستان سيظل جميلاً بأي لون ما دمت ترتديه احتفالا بالحياة.