قصته تكاد تتشابه مع قصص مجايليه من النازحين الفلسطينيين الذين تقاسمتهم المدن، غير أنه يكاد ينفرد عنهم بخاصية الحضور المختلف، ولو رأيته مرة واحدة فقط، ثمة طابع يميزه، ويضفي على شخصيته المرحة، وصوته المجلجل بعداً يضمن له حيزاً في الذاكرة، غسان مطر، ورحيله الذي يتشابه مع رحيل الشرير على الشاشة، والذي اختص بهذا الدور طويلاً، حتى كاد أن يحبس نفسه فيه، تلك النهاية الدراماتيكية حينما ظل بين الحياة والموت، في صراع مع الشهيق والزفير أسبوعاً، بل اثنين، لعل من مبكيات الإنسان أن يعرف متى موته، لا حتمية موته، وغسان جرّب طرق الموت منذ كان شاباً، فدائياً، يناضل من أجل فلسطينه التي حملها معه في المدن التي ارتحل إليها، ومنها، كبيروت ودمشق وتونس والقاهرة. يمكن أن يكون غسان مطر آخر الفنانين العرب الذين شكلوا ظاهرة في السينما المصرية، والفن عموماً، حيث أتاحت لهم القاهرة الاستقرار، والانتشار، والاستمرار، مثل نجيب الريحاني العراقي، وبشارة واكيم اللبناني، وكنعان وصفي العراقي، وعبد السلام النابلسي اللبناني، وأنور وجدي السوري، وعرفات داوود حسن المطري، وهو الاسم الحقيقي لـ «غسان مطر»، وكأن قدره أن يختار أسماء غير اسمه الحقيقي، اسماً للنضال، واسماً للفن، مثلما اختار لابنه اسم «غيفارا» والذي استشهد مع أمه وجدته في حرب المخيمات الفلسطينية عام 1985، ولعلها من المآسي التي هزّت روح الفنان أن يفقد أمه وزوجته وابنه في لحظة واحدة، لكنه تغلب عليها بروح الوطني، والفدائي. مشوار غسان مطر مع الفن طويل، عمل في الإذاعة، والسينما، والتلفزيون والمسرح، لكنه تفرد بأدوار زعيم العصابة المتأنق دوماً، بنظارته الكبيرة المذهبة، وسيجاره الذي لا يفارق فمه، ومنديل الجيب، والخاتم الكبير، وتلك الدعابة التي تميزه كشرير مختلف، له «لزمات وقافية» يرددها، والحقيقة أن غسان مطر هو هكذا في الحياة، زعيم ثورجي، وبنفس التأنق، شعره الطويل، ونظارته المذهبة، وتلك الروح المحبة للحياة، والسيجارة التي لم يتخل عنها، وكان دائماً ما يحضر على الطاولة التي تجمعني والصديق الكاتب والصحفي حافظ البرغوثي، نتناقل آخر أخباره، ودعاباته، والغريب أن خبر وفاته وصلنا، ونحن الاثنان نتحلق على طاولة صغيرة في مساء يوم كأنه الحزن، حتى أن البرغوثي لم يشأ أن يفتح الرسالة النصية، لأن الخبر كان في بدايته اسم غسان، وهكذا كان، رحل طائراً جميلاً، ملفوفاً بعلم فلسطين، تلك التي لم تكن غائبة عنه، بل حاضرة فيه، كالنفس المطمئنة.