تلقت السيدة أمل مكالمة هاتفية من صديقة للعائلة تشكرهم فيها على ما التقى عينيها وأذنيها في عرس حبست طاقته الإيجابية زفرات المحبة في صدور العاشقين، وهو عرس وثق المحبة وجاش بالأحاسيس وقَلَبَ الوجدان حتى لم يغادرنه الحاضرات، فمالت له الخصور وتناغمت معه أهواء النفس وتضاريس الوجوه من المساء إلى أن ظهرت شمس الصباح التالي. وأثنت المتصلة على حسن الترتيب، وجمال الترحيب، وأكدت بأن تجربة هذا العرس كانت مغايرة لسواها؛ فهو قد وحد بين القلوب وألغى متاهات الدروب واعتذرت قبل أن تتحدث عن العروس قائلة: «ما شاء الله على سارونة المزيونة ولكن جمال أمها غير!» فقلت في خاطري نعم ريّا بنت ناصر الجمال بعينه وهي من قال فيها الأخطل: رَمَتْكَ ريّا في مَناطِ المقْتَلِ وأنتَ لم ترمِ ولم تخبلِ، ريّا ولمْ تَدْنُ، ولمْ تُهَلِّلِ منها، فمعقولكَ كالمخبلِ. عندما أقرضني الوقت بعضه قضيت منه ما أمكن في بيت «أم أحمد» وهو بيت يستقبلك من مخارجه ومداخله وأشعر وكأني في قافلة وهودجي من الدرجة الأولى، وبعد الملاطفات يأتون بأطعمة ومشروبات منها الحلو، والأحلى، والحار والبارد والمالح واليابس واللين والقديم والتراثي والذي بيننا وبينه ذكريات وبعد هذا كله يحلفون عليك بالغداء؟! وفي حضرة أمها رأيتها تجلس في زاوية هادئة كطفلة مطيعة قلص ظرف المكان سنها فجالت في خاطري معادلة الجمال والذكاء إذ يقول ابن منظور في لسان العرب وكأنه يتحدث عن ريّا تلك الغادَةُ أو الفتاة الناعمة الليِّنة، وهي الغَيْداءُ باَيِّنةُ الغَيَدِ، وهي كذلك شجرةٌ ريّا غَضَّة. ومن يعرف ريّا التي تحدث عنها مهندس اللغة العربية فذهب في رتابة منطقية متباعدة من فتاة إلى امرأة وشجرة عطاؤها لا ينقطع. جلست بعد هذه الشطحة التاريخية في مجلسهم فإذا بأمها تأمرها لإحضار طاولة تقربني مما يقدمن ثم تأمرهن بخدمتي فمنهن من يغرف لي عيش ويصب عليه دهنة خنينه... ومنهن من تقرب لي الصحن فقلت ماذا بقي هل لهم أن يبلحون لي السمك بعد؟ يا إلهي من هم هؤلاء الذين مهما كبرت بهم الأسماء والمراكز يشعرونني بأني ملكة وفي حضرتهم أحترم إنسانية الإماراتيين، والمعاني، والسنع، وسلك العرب! للعارفين أقول، لا يختلف على الجميل اثنين وفي حضرة ريّا نفكر ياترى ما أهو أجمل... فنقول لسواها... ما عقب العود قعود!