في فيلم سينمائي لم أعد أذكر اسمه، قام البطل فيه بشراء صديق إلكتروني وأنزله على جهازه بعد أن أجاب على عدد من الأسئلة الشخصية، وبعدها أصبح البرنامج في كل تقنيات الاتصال التي يستخدمها البطل. كان البرنامج صديق بصوت أنثى حاضرا طوال الوقت، بمجرد أن يطلبه البطل تظهر الرفيقة التي تجيد الحديث في أي شيء وكل شيء بمهارة وذكاء وجاذبية! لم يعد البطل بحاجة إلى أي أحد، تقريبا أصبح لديه اكتفاء ذاتي، فحاجاته الأساسية في التواصل مع الآخرين كانت مشبعة في الرفيق الإلكتروني. هذا الاكتفاء جعله يستغني عن كل البشر! الحقيقة أن الحاجة إلى الانتماء للجماعة والتواصل المستمر معها، حاجة أصيلة ذات مرتبة متقدمة في سلم الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ومهما تراجعت هذه الحاجة في سلم أولويات البشر إلا أنها تبقى مؤثرة بشكل كبير على قدرة الإنسان على الاستمتاع عندما يشبع حاجاته الأخرى. فإشباع حاجات متقدمة مثل المأكل والمسكن أو حتى حاجات متأخرة كالتقدير، تتعزز أكثر في حال حدوثها أثناء اندماج الإنسان مع جماعة يتواصل معها. هذا ما نقوله وما نحن على قناعة به، غير أن التغيرات التقنية المتلاحقة، خاصة تلك المتعلقة بتواصلنا مع الناس، تذهب بنا إلى اتجاه آخر تماما. اعتقدنا طويلا أن الدخول مع المجموعة والتقرب منهم والتواصل معهم أمر يكمل الحضور الشخصي للأفراد، لتأتي التقنية الحديثة بكل جلافة وتؤكد لنا بالعين المشاهدة أن الفرد منا أصبح قادراً على العيش من دون الجماعة في حضورها الكامل الحقيقي من دون أن يشعر الفرد أن حضوره منتقص. لم يصبح للمجموعة أي سلطة، ولم إذن أصبحنا نملك حضوراً افتراضياً عبر وسائل التقنية من (فيس بوك وتويتر ومجموعات واتس اب والانستغرام.. وغيرها) أكثر تأثيراً في واقعنا الشخصي الفعلي. بل المخيف فعلا أن الكثير منا أصبحوا لا يلجأون للحضور الحقيقي مع المجموعة، إلا لتغذية الحضور الافتراضي، والمقصود هنا أخبار متابعيهم بما يفعلون، والأدلة على ذلك كثيرة. قد يبدو هذا الأمر عند البعض بلا ذات معنى، غير أنه وبالنظر إلى تبعاته تبدو الخطورة، سيما بتأثيره المباشر على شعورنا بالحاجة والانتماء والاستغناء.. وبطبيعة الحال، الولاء.