هم أنفسهم الذين قالوا إن جريمة قتل السفير الروسي في أنقرة جريمة و«لكن» وإن قاتله إرهابي و«لكن» هم أنفسهم من رأوا أنه لا يجوز السماح باحتفالات المسيحيين بعيد الميلاد في بلاد المسلمين... هؤلاء مع رصاصات الغدر، وضد أصوات الفرح، هم مع رقصة الموت وألحان القتل، وضد رقصة الفرح وموسيقى السعادة.. أتابع أولئك الذين يجملون من صورتهم ليبينوا أنهم مع الدين ومع الحق ومع العادات والتقاليد، وفي الحقيقة هم ضد كل شيء جميل، ويرون القبيح جميلاً بما يبررونه من خلال قناعاتهم وتفكيرهم الضيق والمتحيز. عندما قتل حارس الأمن التركي سفير روسيا، ثم كبر وبرر جريمته بالانتقام للشعب السوري المظلوم، لم يقاتل الجندي السفير في معركة شرف متكافئة ولم يواجهه بما فعل، وإنما قتله غدراً من خلفه، وهذا أسوأ الأخلاق ففي الوقت الذي كان يفترض أن يحمي هذا الحارس السفير بسلاحه وبجسده وبروحه، كان هو المجرم الغادر الذي تدين فعلته كل الأديان والشرائع والأخلاق والأعراف، والغريب أن هناك من صفق له وبرر له بل واعتبره بطلاً وشهيداً!! في المقابل، فإن هؤلاء أنفسهم هم الذين انتقدوا احتفالات المسيحيين بالكريسماس، واعترضوا على السماح لأشجار هذه المناسبة بأن توضع في الأماكن العامة في بلادنا واعتبروا هذا ضد الدين وضد العقيدة.. فليتهم عرفوا أنهم قبل أن يتكلموا باسم الدين والعقيدة، أنهم بكلامهم وموقفهم ضد الأخلاق وضد الطبيعة البشرية التي تحب الفرح وتسعى للتسامح وتقبل تصرفات الآخر مهما كان دينه ما دام بتصرفه لا يؤذي أحداً. حتى لو كان السفير الروسي مع بشار الأسد وضد الشعب السوري - وهذا ما لم يثبت - وحتى إن كان مع الحرب، فإن كل ذلك لا يبرر الغدر والطعن من الظهر، وأول من يدين ذلك هو ديننا الحنيف، فإن أمان الرسل والسفراء هو من أقوى أنواع الأمان في الإسلام، ونصوص النهي عن قتلهم وعصمة دم المستأمن ووجوب الوفاء بعهد الأمان وعدم الغدر، قواعد مقررة ومحكمة في التشريع الإسلامي، وقد ثبت عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة..»، فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى فضلاً عن قتله. أخيراً كل العرب والمسلمين والعالم الحر مع شعب سوريا وضد الجرائم التي ارتكبت وترتكب في حق المدنيين والأبرياء والأطفال، ولا يوجد أحد ممن لديه شيء من ضمير إلا وغضب لما أصاب أبناء حلب وكل مدن سوريا، لكن هذا لن يجعلنا نقبل الغدر والإرهاب مهما كانت المبررات والحجج.